يبدو أن «حزب الله» لا يريد أن يعترف أو يقتنع بأن الإرهاب يجرّ الإرهاب والسلاح غير الشرعي يستجلب السلاح غير الشرعي، بعد الخسائر في الأرواح التي بلغت 513 قتيلاً. ولم يحلّل الحزب يوماً بطريقة منطقية وعقلانية قتاله في سوريا، فيوم اتّخذ القرار، أدار ظهره للبنان وغادر مدّعياً حماية المقدّسات حيناً ومنع المتطرّفين للدخول الى لبنان طوراً.
لا الجماعات المتطرّفة في سوريا أتت من العدم ولا «حزب الله» يخوض معركة طويلة ليقدّم عرض «عضلات»! «حزب الله» وضع مخططاً ثقافياً فكرياً وطنياً ليستخدمه حجّة في حربه أو يستند إليه ولا ما يسمّى بـ«داعش» وجبهة «النصرة» ارتكزتا على مقوّمات دولة ولا على فنون الحرب، إلا بما تجيدانه من حرب هوجاء وما يفقهه أمراؤها.
لا شكّ بأن تلك الجماعات المتطرّفة ليست منظّمة فهي تسعى إلى تنظيم نفسها وتمويل حربها، فالحوادث تؤكّد ظهورها بعدما أصدر رأس النظام السوري العفو العام الأول عن عدد من المجرمين، والمفارقة بأن تلك الجماعات لم تتواجه يوماً مع «الجيش العربي السوري» ولا مع «حزب الله» الذي يقاتل معه. وإن كان «حزب الله»، كما جاء على لسان سيده ونوابه مراراً، يقاتل في سوريا لمنع دخول الجماعات المتطرّفة الى لبنان، فإنه قد فشل في تجربته خارج الحدود بعد مباغتة الإرهاب للجيش اللبناني في عرسال.
وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش يستعرض دراسته الشخصية، حول الجماعات المتطرّفة فيخلص الى أن «الفارق بين داعش والنصرة هو من يكون له الغلبة، أما الثقافة والفكر قد تكون النصرة لا تظهرها إعلامياً إلا أنهما من نفس المدرسة».. أليس كل من يخوض حرباً منظّمة أو هوجاء هو باحث عن الغلبة؟ ولا غلبة لداعشي على نصراوي، فكلاهما تخرّجا من أقبية النظام السوري ويختبران ما حصّلاه قبل أن يصدر عنهم العفو العام.
وفي البحث المفصّل لفنيش، يستعرض المشاريع الخاصة التي تسعى»داعش» الى تنفيذها وقد فاته بأن لطرفي المواجهة مشروعاً خاصاً هو الذي سينفّذ حينما يحقّق أحد الطرفين «النصر الإلهي» على الآخر. يتحدّث فنيش عن «داعش» كما لو كانت قد وُلدت خلال الحرب العالمية الثانية! يريد «حزب الله» إخافة اللبنانيين ببضعة أفراد خارجين على القانون منهم من كان في السجن ومنهم من أفراد القبائل التي قمعها بشّار الأسد: «داعش لها مشروعها الذاتي ولا يركب الا على المنتمين لداعش واعتمدوا هذه الوسائل الإجرامية». وهل هناك من فارق في الوسائل التي يستخدمها المقاتل لقتل الضحايا؟ فهل مثلاً وسيلة إطلاق النار على شاب من مسدّس هي وسيلة إجرامية متطوّرة وحديثة، بينما استخدام السيوف لقطع الرؤوس تعتبر من الوسائل الإجرامية الوحشية؟ أليس القتل واحداً؟ الطريقة الأولى أثبتت إجرامها حين قُتل هاشم السلمان أمام السفارة الإيرانية صيف العام الماضي والطريقة الثانية يشاهدها اللبنانيون على مواقع التواصل.
يحلل فنيش تنظيم «داعش» استناداً الى ما حصل أيضاً في العراق: «داعش إذا احتلت أرضاً تتعاطى مع أناسها ضمن خيارين، إما أن يصبحوا داعشيين أو القتل والسبي والتهجير». ألم يكن هذا هو الحال مع الشعب السوري يوم سقطت القُصير وقبله وبعده؟ وهل السيطرة على الأرض لا يعني احتلالها؟ ففي بعض الحالات يصحّ استخدام عبارة «احتلال» داخل البلد الواحد: فهل يمكن للدولة اللبنانية بقواها الشرعية أن تدخل الى الضاحية الجنوبية بحثاً عن مطلوبين؟ أساساً هل يضمن أي مواطن أن يقصد الضاحية من دون أن يتم توقيفه والتحقيق معه؟
لم يُجري فنيش هذا البحث والتحليل لتفنيد «داعش» إلا ليخلص الى اتّهام عرسال وأبنائها بـ«التجييش والتحريض السياسي والطائفي والمذهبي»، وفي قراءة موجزة يرى فنيش أن «عماد جمعة كان يضع اللمسات الأخيرة على مشروع قيام هذه الجماعات باحتلال عرسال ومهاجمة بعض القرى البقاعية لإحداث مجزرة وإدخال البلد في فتنة طائفية». لكن، لو بحث فنيش عن الثغرة الأساسية لوجد العلاج، فلا يمكن استنباط الدواء حينما يتم غضّ الطرف عن الداء.. من استجلب «داعش» و«النصرة»؟ من استفاد من زرع الجماعات المتطرّفة؟ هل الإجابات تستدعي أبحاثاً مطوّلة؟!