عونيون يشبّهون المتحاملين بـ«طرزان في تكساس»!
عندما يُحكم على اقتراح الجنرال بـ«الرجم»
بمعزل عن طبيعة الموقف من جوهر اقتراح القانون المقدّم من «تكتل التغيير والإصلاح» لانتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، والذي يحتمل طبعاً الكثير من النقاش، فإن الأكيد انه ما من مبرر ـ من حيث الشكل ـ للحملة القاسية التي شنها خصوم العماد ميشال عون، على الاقتراح وصاحبه، لاسيما في الوسط المسيحي.
من الطبيعي ان تنقسم الآراء حول طرح الجنرال بين مؤيد ومنتقد، وأن تقارَع الحجة بالحجة والقرينة بالقرينة، لكن ما ليس طبيعياً ولا مفهوماً هو أن يُعامل الطرح بهذا القدر من الحدة والتوتر، خصوصاً أن الرجل تصرّف وفق الاصول المؤسسية المشروعة، وما فعله يندرج في إطار ممارسة حقوقه السياسية البديهية، إذ طرح فكرة للنقاش، ثم بلورها في اقتراح قانون سلك الطريق الدستورية ـ القانونية نحو مجلس النواب، حيث يُفترض أن يأخذ النقاش الديموقراطي مداه، وصولاً الى إقرار الاقتراح او إسقاطه، تبعاً لمعادلة الاكثرية والاقلية.
صحيح ان الفكرة تبدو ثورية في جوهرها وأن مطلقها جنرال، إلا أن الصحيح ايضاً هو انها لم تسلك خطاً عسكرياً، بل إن آليات عرضها جاءت مشتقة من نسيج النظام القائم، وضمن قواعد اللعبة المعترف بها.
إن أخطر ما تنطوي عليه الحملة على طرح عون، أنها تعكس تسرباً لـ«الثقافة الداعشية» الى الحياة السياسية اللبنانية التي باتت تفرز على ما يبدو نماذج معدّلة من «الخليفة» أبي بكر البغدادي، يرتدي أصحابها ربطات العنق ويضعون افضل العطور، إلا انهم في الوقت ذاته يضيقون ذرعاً بأي رأي مغاير، فلا يتردّدون في تخوين صاحبه ورجمه بالحجارة السياسية.
كان يمكن لطرح الجنرال ـ لو جرى التعاطي معه برحابة صدر ـ أن ينعش الساحة الداخلية التي تعاني من جفاف مزمن، وان يشكل مناسبة لـ«رياضة ذهنية» تعوّض عن الكسل المتراكم، لكن البعض بات يستسهل إصدار الأحكام المبرمة التي تستند الى محاكمة النيات، لا النصوص.
وإذا كان بعض معارضي اقتراح عون بانتخاب الرئيس من الشعب يعتبرون ان الجنرال فصّل الاقتراح على قياسه لضمان وصوله الى رئاسة الجمهورية، فإن أوساطاً قيادية في «التيار الوطني الحر» تعتبر أن هذا القول هو اعتراف واضح بأن الجنرال صاحب الشعبية الاقوى، وإلا لكان كل من يدّعي انه قوي تمثيلياً قد وجد في الطرح المقدم فرصة لإثبات حضوره الجماهيري وبالتالي مشروعية انتخابه، وهذا لم يحصل، ما يعني ان اقتراح الجنرال نجح في تحقيق أحد أهدافه وهو إسقاط الأقنعة.
اما الهدف الآخر الذي ينطوي عليه طرح عون، وفق الأوساط المقربة منه، فيكمن في السعي إلى كسر الدوران في الحلقة المفرغة، بعد وصول النظام السياسي الى قمة المأزق مع تعذر إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وتعذر إجراء الانتخابات النيابية من قبل، فكان لا بد من خطوة استدراكية في اتجاه تطوير النظام بطريقة سلسة، من دون حروب ودماء.
وتعتبر الاوساط أن اقتراح عون يتيح الانتقال السلمي من حالة المراوحة الى الافق المفتوح، ويؤمن تحقيق الشراكة الحقيقية من خلال رئيس تمثيلي يكون ناتج إرادة بيئته، وبالتالي يستطيع مع الأقوياء الآخرين في السلطة اتخاذ القرارات الجريئة وقيادة الجمهور، لا العكس.
ولئن كان أحد أبرز الاعتراضات على اقتراح عون ينطلق من كونه يتناقض مع النظام البرلماني المعتمد في لبنان، على قاعدة أن انتخاب الرئيس من الشعب يستوجب اعتماد نظام رئاسي، إلا ان اوساط التيار لا ترى ان هناك اي رابط بين الأمرين، لافتة الانتباه الى ان المقصود من طرح الجنرال هو إعطاء قوة دفع معنوي للرئاسة من خلال تحسين مواصفات من يشغلها، وليس تعديل تركيبة النظام.
وتشير الأوساط الى وجود دول كثيرة في العالم يُنتخب فيها رئيس الجمهورية او رئيس الحكومة من الشعب لكن نظامها يبقى برلمانياً بامتياز، وعلى سبيل المثال لا الحصر، هذه هي الحال في فرنسا وبريطانيا والمانيا، وغيرها.
وفي حين توافق الأوساط، من حيث المبدأ، على قول الرئيس نبيه بري بأن عرض اقتراح القانون المقدم من «تكتل التغيير والاصلاح» على مجلس النواب لا يمكن أن يتم قبل بدء الدورة العادية للمجلس في 21 تشرين الاول المقبل، تلفت الانتباه الى ان مسألة المهل يمكن أن تعالج إذا وُجد القرار السياسي، مستشهدة في هذا المجال بمواقف سابقة للرئيس بري أكد فيها أنه متى تحقق التوافق يصبح كل شيء جائزاً.
وتشير الاوساط الى ان هذا ما حصل عند انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، إذ ان التوافق عليه يومها برّر تجاهل الدستور وتجاوزه، لجهة الاشتراط على موظف الفئة الاولى الراغب في الترشح للرئاسة الاستقالة من منصبه قبل سنتين من موعد الانتخابات الرئاسية.
وتخلص الأوساط القيادية في «التيار» إلى تأكيد أن الردود الانفعالية على اقتراح «تكتل التغيير» لا علاقة لها بأصل الموضوع وعمقه، ويصح القول في أصحابها إنهم كـ«طرزان في تكساس»!