IMLebanon

عن عار عالمي!

بلغت صناعة السينما الأميركية تحديداً في عز حقبات توهجها حدودا أسطورية في استنبات خيال خلاق فأنتجت أفلاما عن المخيلة الاستباقية الواقعية واللاواقعية لا تحدها تصورات البشر عن الطبائع المدمرة التي يمكن ان تفني البشرية. مع ذلك فان مشهداً مزدوجاً متفجراً بأقصى ما يتجاوزه الخيال من الشر يسحق منطقة الشرق الأوسط راهناً يبدو عصياً حتى على اروع ما ابتكره الانسان في صناعة السينما الغرائبية.

تتجاوز الموجة الاجرامية التي تجتاح مسرحا متراميا من العراق الى سوريا فعرسال دون توسع الى ليبيا، القدرة على الفهم كما يعصى التبرير والفهم امام أوخم انهيار اخلاقي يشهده العالم في تفرج الامم المتحدة والدول الكبرى على المذابح. ولا شك في ان شعوب هذه الارض الملعونة في الشرق أدمنت التلاعب بمصائرها بايدي الأنظمة الجاهلية والديكتاتوريات والطغاة مثلما تلاعبت ببلدانها مصالح الدول على تعاقب العصور. ولكن حتى منذ زرع اسرائيل في فلسطين وما بعدها وكذلك منذ المحارق النازية في الحرب العالمية الثانية ومذبحة الأرمن في تركيا لم يعرف العالم تهاونا دوليا حيال مذابح جماعية وفظائع ضد الانسانية على غرار التهاون الحاصل الآن امام مد الإجرام الداعشي. قبل ايام اقتلع شعب عن بكرة أبيه وأمه من سنجار يقدر بمئتي الف ايزيدي وحولت نساؤه سبايا يُبَعْنَ في “سوق نينوى”. يجري هذا في القرن الحادي والعشرين فيما تجفف داعش العراق من مئات الوف المسيحيين وتهدد مسيحيي سوريا وتمد حربة إرهابها الى لبنان وتأسر عرسال.

في روايات الرعب الاشد إرعابا وكذلك في الوقائع التاريخية التي عرفتها العصور القديمة الجاهلية في الشرق والغرب، لم تعرف البشرية إجراما يفوق ذبح البشر كما ترتكبه داعش ومشتقاتها. ولكن الفجيعة الصادمة تغدو اشد إرعابا امام انكفاء مجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي عن اي تحرك لوقف هذه الفظائع والمذابح ضد الانسانية. عار عالمي يوازي التآمر على ملايين البشر المهددين بالاقتلاع والتصفية الدينية والعرقية التي تحول الشرق الى ارض برمته الى صحراء إنسانية حضارية هذه المرة.

عند هذا الرعب تماماً يقف لبنان اليوم ولا مغالاة في القول انه محكوم بقلب الموجة وردها الى نحور محاولي إلحاقه بهذا الويل غير المسبوق في تاريخ المنطقة. ولعلها مفارقة مصيرية تماماً ان لبنان الواجف الضعيف المبتلي بطبقة سياسية تشبه المجتمع الدولي المنهار تماماً لا يزال وحده، بطبيعته المناهضة بكل قوة للظواهر الداعشية وبتركيبته التي عصت على كل وافد هجين، يملك الفرصة لرد الموجة من صخور عرسال. ليس واقعا انشائيا هذا بل ان الذين وقفوا على حقائق استشهاد الضباط والجنود والأسرى وبسالة الجيش واحتضان اللبنانيين له في أوسع تعبئة عرفها اللبنانيون سيظلون مدركين ان لبنان ليس الموصل ولا الرقة.