IMLebanon

عودة الحريري «حاجة وطنية» والجيش منع تكرار مشهد مخيّم نهر البارد في عرسال

دعم خادم الحرمين الشريفين للجيش شكَّل علامة فارقة لحفظ الإستقرار

عودة الحريري «حاجة وطنية» والجيش منع تكرار مشهد مخيّم نهر البارد في عرسال

نجحت المبادرة المصرية في سدّ الثغرة التي استُغلّت سابقاً لتخريب دور دار الفتوى

ما زالت القوى السياسية والإعلامية تتقصى حقيقة العوامل التي دفعت بعودة الرئيس سعد الحريري التي فاجأت الجميع، فمنهم من رأى فيها أن الذي سرَّع بعودته هو ما كان مخططاً لبلدة عرسال، ومنهم فهم أن العودة لتسريع الاستحقاقات الدستورية العالقة ومنها انتخاب رئيس الجمهورية وأن عودته هي إقتراب نضج الطبخة الرئاسية، والبعض الآخر رأي فيها أنها جزء من حملة تقودها السعودية لمحاربة الإرهاب، خاصة بعد توسّع نفوذ «داعش» وتمددها الى منطقة القلمون وتحكّمها في مدخل عرسال الشرقي، كما ذهب البعض ليقول أن استمرار الخلاف السعودي – الإيراني وعدم بروز أي مؤشرات للتقارب بين البلدين، جعل القيادة في المملكة تدفع بالرئيس الحريري مجدداً الى لبنان رغم المخاطر الأمنية، وذلك لقيادة تيار الاعتدال وترتيب أوضاعه وصفوفه لمواجهة الإرهاب وكذلك لإيصال رسالة لإيران بعدم التسليم أن لبنان ساحة مفتوحة لها، خاصة بعد إعلان بعض القادة في إيران «أن حدود إيران كبيرة جداً فهي باتت على البحر المتوسط وهي ممتدة لغاية جنوب لبنان».

الحقيقة أن الرئيس الحريري لم يعطِ سرّه لأحد حول أهداف عودته، ولكنه أكد من خلال الكلام الدقيق «والمدروس» الذي أعلنه في بيت الوسط أثناء تكريم المفتي المنتخب الشيخ عبد اللطيف دريان والهيئة الناخبة أن دعمه للدولة ومؤسساتها الأمنية والدستورية هو نقطة ارتكاز في نشاطه، وكذلك محاربة الإرهاب، وأن «مجموعة صغيرة من المتطرّفين لن نسمح لها أن تدفعنا الى صراع مع المكوّنات الأخرى»، أي رفض الإرهاب بل محاربته، وكذلك رفض الفتنة السنّية – الشيعية.

والمؤكد أيضاً أن الرئيس الحريري خلال الأيام القليلة الماضية ومن خلال نشاطه، يمكن القول أن «الخواتيم» الحميدة للمبادرة المصرية في ترتيب أوضاع دار الفتوى تمّت برعايته ومباركته وحضوره أعطاها البُعد الحقيقي، لإصراره على ترتيب البيت «السنّي»، وبالتالي سدّ الثغرة التي فُتحت خلال السنتين الماضيتين وحاول من خلالها «يتامى المخابرات السورية» ممن تسلّقوا العمل السياسي النفاذ منها حيث حاولوا تخريب دور دار الفتوى، وأن مساعيهم خلال الشهر الماضي «لحجز حصة» في مقام الإفتاء الجديد باءت بالفشل، فحضور الحريري وكذلك العلاقة التاريخية التي تربط المفتي الجديد بالرئيس الحريري شكّلا سدّاً أمام هؤلاء الذين يقاومون إعلان فشلهم السياسي، الذي يشكّل النتيجة الطبيعية لخياراتهم السياسية…

يخطىء من يعتقد ان الرئيس الحريري رغم مكوثه في الخارج كان بعيداً عن عرسال ومجريات احداثها، فعرسال منذ سنوات كانت محور إهتمامات الرئيس الحريري، ووفقاً للمصادر العلمية ان التنسيق والتواصل ما بين الحريري والعماد جان قهوجي قائد الجيش لم ينقطع مطلقاً، وان تجنيب عرسال كارثة محققة كان ثمرة كبيرة لهذا التواصل الدائم ما بين الحريري وقهوجي، صحيح ان الجيش قدم التضحيات الغالية والكبيرة في سبيل انقاذ عرسال، ولكن هنا يجب عدم اغفال حكمة قائد الجيش اثناء تسلل المسلحين السوريين اليها ووضعهم اليد عليها لاكثر من اسبوع، فقد اعتقد كثيرون بأن معركة عرسال ستكون شبيهة بمعركة مخيم نهر البارد، وان ما اصاب مخيم نهر البارد من دمار وقتل سيتكرر في عرسال، ولكن حكمة وشجاعة العماد جان قهوجي انقذت عرسال من كارثة كبيرة كان يمكن تحل بالبلد او اهلها.

فعودة الحريري كانت في الزمن «الصح» فأغلب الازمات باتت في عنق الزجاجة، والقضية ليست عرسال فقط، فهناك الازمة الرئاسية المجمدة، حيث بلغ عمر الشغور الرئاسي شهرين ونصف، وجهود الحريري ستتكامل مع الجهود التي يبذلها وليد جنبلاط الذي يسعى لانضاج طبخة مع الرئيس نبيه بري تنهي الازمة الرئاسية التي تلقي بسلبياتها على جميع القطاعات والمؤسسات في البلد.

يضاف الى ما سبق الشلل الحاصل في عمل مجلس النواب، فهذه المؤسسة الدستورية الكبيرة معطلة، فمجلس النواب لا يستطيع ان يعقد جلسة لانتخاب رئيس للبلاد، كما لا يستطيع عقد جلسة تشريعية لبحث قضايا هامة وضرورية وملحة، كل ذلك بسبب حالة الانقسام الحاد على الصعيد السياسي ما بين 8 و14 آذار، وما اعلنه الرئيس بري امام زواره من ان «مجلس النواب لا يعمل والنواب لا يتسرعون ولا يعملون وعليه ارفض التمديد لنواب لا يعملون ولا يستحقون ان يحصلوا على مرتباتهم..»، ولذلك الرئيس بري يرفض التمديد لمجلس لا يعمل وانه مع اجراء الانتخابات النيابية.

هذا مع العلم ان القوى السياسية المختلفة ليست على رأي واحد في ما يخص التمديد للمجلس الحالي ام اجراء الانتخابات في موعدها، ويبدو ان فريق التمديد ستكون كفته راجحة بالتمديد للمجلس لعدة اشهر منعاً للفراغ في المؤسسة التشريعية.

بسبب تفاقم هذه الازمات، وتزايد نتائجها السلبية على البلد واهله، كان لعودة الرئيس الحريري الاهمية الخاصة، وهي لا تقارن مطلقاً بعودة ميشال عون من فرنسا عام 2005، ولا بخروج سمير جعجع من السجن، فعودة عون كانت لحاجة فئوية خاصة بتياره، وكذلك كان خروج جعجع مع السجن، اما عودة الحريري جاءت في زمن استثنائي وصعب يمر فيه البلد، حيث الازمات الكبرى حاضرة بقوة، كما ان عودة الحريري جاءت مترافقة مع هبة سعودية كبيرة لدعم مؤسسات الدولة الامنية بمليار دولار نقدي. فهذا الدعم شكل علامة فارقة خلال العقود الماضية، فلبنان مهدد باستقراره، وهو ليس جزيرة منفصلة عن محيطه الذي  يشهد حالة من الزلازل الامنية، والذي يساعد على الاستقرار هو تفعيل دور المؤسسات الامنية لتأخذ دورها في حفظ هذا الاستقرار، خاصة بعد فشل المشاريع الامنية الخاصة، فالجيش اللبناني هو الذي يؤمن مداخل الضاحية الجنوبية ويحفظ امن البلد من طرابلس الى البقاع وبيروت والجنوب وليس الميليشيات التي لم تستطع ان تستمر على مداخل الضاحية او بعلبك لاسابيع قليلة.

فعودة الحريري لا يمكن ان تقارن بعودة الآخرين الذين غيبوا ايضاً قسراً، وتكمن اهمية عودة الحريري انها اصبحت حاجة وطنية اكثر مما هي حاجة طائفية او مذهبية، فالحاجة الوطنية تشمل جميع عناوين القرارات لعودته.