ما الذي جعل الرئيس سعد الحريري يعود الى لبنان في هذه المرحلة وفي هذا التوقيت بالذات؟ وما هي اسباب واهداف هذه العودة؟
تنظر الاوساط السياسية الى هذه الخطوة باهتمام لا سيما بعد ما جرى في عرسال والاخطار التي برزت نتيجة استهداف الجيش اللبناني ودوره، ومحاولة زعزعة الاستقرار العام، وانشاء «موطئ قدم» للمجموعات الارهابية في عرسال ومحيطها.
ومما لا شك فيه ان هناك عوامل عديدة ادت الى رجوع الحريري اليوم الى لبنان منها ما هو داخلي ومحلي ومنها ما هو خارجي يتجاوز حدود ما يتردد عن تسوية لملف الاستحقاق الرئاسي.
وبرأي هذه الاوساط انه مثلما كان الرأي الاول للمملكة العربية السعودية في خروج الحريري من لبنان وبقائه بعيدا عنه لاكثر من ثلاث سنوات، فان عودته مرتبطة ايضا بموقف سعودي خصوصا في ضوء التطورات السياسية والامنية الاخيرة لا سيما بعد الذي جرى ويجري في عرسال.
ووفق المعلومات المتوافرة من مراجع لبنانية فان عودة الحريري لا تعني نضوج التسوية السياسية الداخلية المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي او انجاز هذه التسوية كما يتراءى او يتردد في بعض الاوساط.
وتنفي المراجع ان تكون قد اكتملت حلقات صفقة الرئاسة، وتلك السيناريوهات التي بدأ الحديث عنها مؤخرا ومنها على سبيل المثال انتخاب قائد الجيش العماد جان قهوجي رئيسا والمجيء بالعميد شامل روكز «كقائد جديد للجيش، او التوافق على انتخاب النائب سليمان فرنجيه رئيسا للجمهورية لكن ما يدور في اتصالات ولقاءات مكثفة مؤخرا يوحي وبحسب المراجع بان هناك تحركا جديا لتحقيق تسوية سياسة لا تقتصر على رئاسة الجمهورية بل تتعدها الى الحكومة المقبلة ومصير الانتخابات النيابية، وتعتقد المراجع هناك ملامح اخذت تبرز شيئا فشيئا لهذه التسوية التي يتوقع ان تحصل، اذا ما سارت الامور بشكل ايجابي، على قاعدة ابقاء لبنان تحت سقف الاستقرار ومواجهة خطر الارهاب الذي يهدد المنطقة بأسرها.
ومما لا شك فيه اشارت المراجع الى ان هناك ارتباطا مباشرا وصريحا بين عودة الحريري الى لبنان والهيئة السعودية الجديدة التي حرصت المملكة على ان يعلن هو شخصيا عنها قبل العودة، وقد اكدت وقائع الساعات الماضية هذا الامر من خلال الاجتماعات التي شهدتها السراي الحكومي والاتصالات التي واكبتها.
وفي قراءة اولى لخلفيات خطوة الحريري يقول سياسي مطلع ان ما جرى وواكب احداث عرسال سرع هذه العودة لا سيما بعد بروز فريق سني خارج مظلة «المستقبل» ولعبه دور المفاوض حول تداعيات هذه الاحداث اي «هيئة العلماء المسلمين» التي قيل ويقال انها تسعى الى بلورة كيان سياسي لها ليس على مستوي طرابلس والشمال كما كان يبدو سابقا، بل ايضا على مستوى كل لبنان.
ويذهب البعض الى القول ان الخلاف القائم بين السعودية وقطر يدخل في هذه الحسابات، مع العلم ان الهيئة المذكورة هي التي كانت وراء حركة قطع الطرق في بعض المناطق المحسوبة على تيار الحريري اكان في الشمال او البقاع او اقليم الخروب.
والى جانب ذلك يضيف السياسي ان المملكة شعرت من خلال ما جرى مؤخرا مع احداث عرسال ان تيار «المستقبل» في وضع مربك لا سيما بعد خروج الثلاثي النيابي محمد كبارة خالد الضاهر، ومعين المرعبي بمواقف علنية ضد الجيش لا تتلاءم مع تصريحات وبيانات الحريري العلنية واعتباره ان المؤسسة العسكرية خط احمر.
ويقول المصدر السياسي المطلع ان من يتابع احوال تيار «المستقبل» منذ فترة غير قصيرة يدرك بوضوح الارباك ايضا داخل «حلقة القرار» في هذا التيار لا سيما في ظل تنافس غير معلن بين بعض قياداته ورموزه ما زاد او انعكس على ادائه السياسي والشعبي، وجعله في وضع يحتاج الى «اعادة شدشدة» من قبل رئيسه الحريري على كل المستويات.
ويضيف المصدر ان هذه العملية الداخلية المفترضة ليست موضع تشجيع من السعودية فحسب بل ايضا موضع رعاية مباشرة من المملكة بدليل انها حرصت على اعلان هبة المليار دولار للجيش والقوى الامنية عن طريق الحريري شخصيا وليس عن طريق رئيس الحكومة تمام سلام الذي كان بذل مجهودا واضحا في اتصالاته التي واكبت احداث عرسال.
ويشير المصدر ايضا الى ان هذا الاستقبال «المخملي الاحمر» للحريري في السراي الحكومي كظهور اعلامي اول بعد عودته الى لبنان تدل على الرغبة السعودية في اعطاء زخم لرئيس «تيار المستقبل» من اجل ان يلعب دورا اساسيا ليس في اعادة لملمة الشمل على صعيد الشارع السني فحسب بل ايضا على صعيد الساحة اللبنانية عموما.
ورغم كل ما قيل ويقال مع عودة الحريري الى لبنان الا انه من المبكر التكهن بكل نتائجها يقول المصدر مع العلم ان الطرف الاخر يبدي موقفا ايجابيا منها ظهر بوضوح مع اتصال الرئيس بري به وتهنئته بسلامة العودة.
واذا كان المشهد العام لنتائج هذه العودة تحتاج بلورته الى شيء في الوقت فانه من المفيد القول يضيف المصدر ان هذه العودة لن تكون قصيرة وان لم يتضح ما اذا كانت ستكون دائمة وستتوج بالتسوية السياسية الشاملة التي تتعلق بالاستحقاق الرئاسي وما بعد من استحقاقات دستورية على صعيد الحكومة المقبلة والانتخابات النيابية او على صعيد المعركة مع الارهاب والارهابيين.