IMLebanon

عودة الحريري ومهام المرحلة

 

هكذا إذن هزّ لبنان من أقصاه إلى أقصاه حدث طاغٍ من طراز آخر، لم يعتد اللبنانيون عليه منذ سنوات. فقد اعتادوا احصاء كاد يصبح أشبه بخبزهم اليومي لعدد القتلى في الشوارع والجرحى والمصابين ومسح الاضرار. وقد اعتادوا القبول القسري وليس بأيديهم حيلة قط على التعطيل والفراغ والشغور والخواء ولو تشكلت الحكومة بعد طول صبر وعناء، إذ ما كادت تلوح بارقة أمل ولو شاحبة بتشكيلها حتى ما لبث الشلل ان أصاب في الصميم مؤسستين دستوريتين هما عمودان أساسيان بل أيضاً ركيزتان للديموقراطية اللبنانية وعلتان لوجود الوطن الصغير وديمومته: الرئاسة الأولى والبرلمان. فقد ترك الرئيس الصالح الثاقب الرؤيا القصر الرئاسي، والبرلمان عاجز عن اختيار خلف له، فهو في حالة نظرية من انعقاد دائم لكنه مصاب بالعجز الفاضح في أن يحزم أمره لاستخلاف الوريث.

وعبثاً كان ينادي الرئيس سعد الحريري من مكان اقامته القسري دنيا العرب والمجتمع الدولي ان هذا الموقع الدستوري الوحيد المسيحي العربي في خطر فلنحرص عليه. ذلك ان سعداً كان يرى وما زال ويلتقط مآل الأحداث الخطيرة المدمرة، الطائفية المذهبية الفاغرة فاها تجتاح المنطقة العربية بأسرها. فقد استنبت تورط «حزب الله» في الاقتتال داخل سوريا طروحا ظلامية سوداء أشد هولاً مما يتصوّر الحزب. فهو حتماً يخطئ في حساباته ويسيء التقدير في استشراف التداعيات. فقد اكتسح دعاة الفكر الظلامي العراق ومزّقوه شر تمزيق، وأفلت الوضع السوري من تحت السيطرة فقد أصبح لـ»داعش» جيش ودولة، فيأكل المشروع الظلامي الأخضر واليابس، ويدفع مسيحيو العراق ثمن الاقتتال تماماً كما جرى في مصر منذ سنة خلت. وها هم يطرقون أبوابنا الآن ويتسللون بيننا.

ان الرئيس سعد الحريري، وإن أعاد الحياة للجسم اللبناني المعطل المصاب بالشلل على كافة الصعد، فهو يواجه مهمة شاقة عصية تنوء لثقلها الجبال. فالتكفيريون الذين ذهبنا إلى سوريا لقتالهم قد جاءوا إلى أرضنا ومدننا وقرانا ولماذا عرسال الآن بالذات وما هي أهداف هذا المخطط؟ وكيف نواجه الأخطار بلا رئيس للبلاد وبلا برلمان؟ وماذا بوسعه ان يفعل الرئيس الحريري وهل بمقدوره اجتراح المعجزات، ذلك ان الحد الأدنى من الرأفة والغيرة على مصلحة الوطن قد تلاشت. فعندما يركب بعضنا رأسه على قاعدة «أنا أو لا أحد» تصبح عندها ضرباً من المستحيل كل أشكال الحوار الوطني، المسؤول حتى لو انبرى لنجدة الرئيس الحريري بحنكته وقدرته الزعيم الوطني وليد جنبلاط، ذلك أن الهذيان وفقدان المنطق وتغليب الأنا على مصالح الوطن ومصيره هو ضرب من الانتحار من منظور مذهل مريع على قاعدة «فليغرق المركب بمَن فيه».

إن الوقت المستقطع ليس في مصلحة لبنان، فالبوار والكساد والبطالة والأزمة المعيشية والضائقة الاقتصادية والمالية والمصرفية قد بلغت حدودها القصوى. والمشكلة الكبرى وهي السلاح غير الشرعي ما زالت على حالها، فإعلان بعبدا الذي رعاه الرئيس سليمان والذي يتناقله المجتمع الدولي كضامن لا ريب فيه لبقائنا، يقينا شرور التمزق والتصدع والاقتتال فيما بيننا، قد تنكروا له، وقد هالهم ان تتبناه قوى 14 آذار وفي مقدمها الرئيس الحريري وسائر الحلفاء. ويدعوهم الرئيس الشاب للذهاب إلى المجلس النيابي لانتخاب الرئيس العتيد مجدداً، وهيهات كم فعل بلا جدوى فالقرارات عندهم مكانها خارج البرلمان حيث العواصم الاقليمية والدولية المعنية هي صاحبة القرار.

لقد عاد الرئيس الحريري وفي يده هبة سعودية جديدة للجيش، والجيش بحاجة لسلاح نوعي متطور وعاجل لمواجهة الإرهاب، فهل بمقدور من ليست له أية مصلحة في تطوير قدرات الجيش القتالية ان يعطل شراء الجيش لها وتسلمها وأن يضيّع عليه فرصة سانحة أخرى؟

وماذا بوسع الرئيس الحريري أن يفعل حيال القطاع السياحي المشلول المدمر وقد ورثنا التركة البغيضة لسياسة معاداة العرب تحت ذريعة النأي بالنفس عندما تحولنا إلى منصة شتائم تطلق بحق اخوة لنا، وهم ظهيرنا وسندنا. وماذا عن المواسم الزراعية الكاسدة وقد تعطلت الطرق الدولية العربية وتوقف التصدير بفعل الحرب السورية. وماذا عن هذا العدد الهائل من النازحين السوريين، فنحن في ورطة كبرى حيالهم فالمساعدات العربية والأجنبية ما زالت دون المستوى المنشود والعمال والشغيلة السوريون يضغطون بثقل مريع على سوق العمل المتوفر للبنانيين. هذا ولم نتطرق بعد لملف المرافق الحيوية التي تم الاستيلاء عليها عنوة حيث تتصاعد روائح الفساد والأصابع الخفية والرشوة، ولا للمربعات الأمنية والدويلات.

انه لحمل ثقيل يواجهه الزعيم الشاب العائد لتوّه إلى وطن مثخن بالجراح، وطن مخطوف مصادر مسلوب الإرادة، يعيش كل يوم بيومه. اننا وإن شددنا على يديه ومحضناه كما في السابق كل ثقتنا، يظل بحاجة ماسة لشجاعة نادرة وصبر أكيد ثابت ورؤيا ثاقبة وإعادة الروح الوثابة لقوى 14 آذار التي نادت بالفم الملآن «لبنان أولاً» لأن مصير لبنان ومستقبله على المحك في منطقة تزخر بالأحداث والصراعات.