يوم غادر الرئيس سعد الحريري بيروت شعر الناس أنهم خسروا الرهان على إنقاذ لبنان واستنهاضه من كبواته المتتالية، وأنهم مُقبلون على زمن تتكاثر فيه الأزمات والاضطرابات، ويصبح الاستقرار من رابع المستحيلات.
وقد صدَقت ظنونهم وتقديراتهم، ودار الدولاب والدهر دورتهما على بلد الدويلات والمربعات، حتى أوصله التدهور والانحلال إلى يوم لم يعد قادراً فيه على تصحيح امتحانات آخر السنة والتخرّج لمئات آلاف الطلاب، فتبدّى لحظتئذ كجسد بلا روح…
ناهيك بالفراغ الذي يملأ منصب رئاسة الجمهورية وقصر بعبدا.
أمس عاد الرئيس الحريري، مفاجئاً كل اللبنانيين بابتسامته العريضة، ملوحاً للجميع بتحيّة المحبّة والاشتياق إلى سيدة العواصم، وها أنا بينكم في بيروت الحبيبة التي لا تستحق كل هذا الاضطهاد والإهمال والأرق.
للحال رُدّت الروح إلى لبنان قبل اللبنانيين.
مثلما انتعشت الحياة السياسية المصابة بِداء “الاختباء”، مع التطلّع لعودة الروح إلى سياسة الانفتاح على الآخر وعلى كل القضايا الخلافية بكثير من المسؤولية وشجاعة الرأي والمواقف والقرارات الصعبة التي يفتقر إليها الوضع اللبناني.
ولمناسبة هذه العودة، التي عادت معها الروح إلى هذه الجغرافيا المُشبعة بالقلق، لا بد من استذكار الصيغة اللبنانية ومواثيق العيش المشترك التي لا يحتاج الرئيس الحريري الى تذكير في شأنهما كونهما من الأسس والركائز الأساسية للبنان الواحد الذي ما فتئوا يتحايلون ويحاولون تمزيقه. بـ”داعش” وبدونها. قبل “داعش” وربما بعدها.
كثيرة ومتعددة هي المواضيع والملفات الوطنية التي كانت تنتظر بدورها هذه العودة التي تمتّ في أوانها، وفي الوقت الذي بدأت المخاطر والمخاوف تطرُق أبواب الأقليات المسيحية، نظراً إلى ما يُلحقه “الداعشيون” من قتل وتدمير وتخريب وتشريد بمسيحيي العراق الذين يتوهون من ملجأ إلى آخر… وكأن لا مهمة لـ”داعش” الا استهداف المسيحيين.
شجاعة الرئيس الحريري واعتداله وانفتاحه وحرصه على صيغة العيش المشترك، من شأن ذلك كله إدخال الطمأنينة إلى نفوس هذا الفريق اللبناني. وسعد الحريري من شيَمه وصفاته أنه مِقدام لا يتردّد، وخصوصاً في حقول حسّاسة كهذه.
اتصل بي محبّ للرئيس الحريري قائلاً: لقد عاد الذي إذا قال فعل. وإذا وعد نفّذ. وإذا سار على الدرب سارت الدرب معه، وسار البلد والناس في معيّته.
إلا أن اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم بدأوا يتطلعون إلى ما يشبه الأعجوبة. أي، انتخاب رئيس للجمهورية يعيد الأمور الدستورية والوطنية إلى نصابها، مما يمهّد السبيل أمام الاستحقاق النيابي.
لأسباب عدّة يعتقد البعض أن لبنان دخل مرحلة سياسية جديدة لحظة هبوط طائرة سعد الحريري في مطار رفيق الحريري.