IMLebanon

عون: أنا أو لا نصاب

من معادلة «أنا أو الفوضى» إلى معادلة «أنا أو لا أحد»، وصولاً إلى معادلة «أنا أو لا نصاب»… هذا ما طبَّقه النائب ميشال عون في الجلسة الأخيرة لمجلس النوّاب، التي استبقَ فيها انعقاد الدورة الثانية، بالخروج السريع من القاعة لإفقاد النصاب، فيما كان فريق 14 آذار «على أعصابه» خوفاً من أن يكون النائب وليد جنبلاط قد حاك أمراً ما مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي.

إستعجال عون مغادرة القاعة لم يكن خوفاً من انتخاب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، بمقدار ما هو خوف من انتخاب النائب هنري حلو، ومن الحياكة ذاتها التي يمكن أن تجمع جنبلاط ببرّي.

بدا حَرق المراحل واضحاً في سلوك الجنرال، فقد سدَّد إلى صورته الوفاقية المستحدَثة والطارئة، ضربة كبرى عندما أوعزَ لنوّاب تكتّله بتوزيع الأصوات على ملفّات نبش القبور، فساهمَ بلا أن يدري في تحقيق هدفين لخصمِه جعجع. الهدف الأوّل تمثّل في ضرب الصورة التي حاول بناءَها طوال الأشهر الماضية بأنّه مشروع رئيس وفاقي، والتي ضربها في البيت المسيحي، والهدف الثاني عندما برهنَ عدم القدرة على الوفاء بالوعود، فكيف يمكن الوثوق برئيس توافقي حديث العهد، يعمد في جلسة انتخابية إلى التصرّف بكيدية واستنسابية.

تقول أوساط “المستقبل” إنّ تصرّف عون بدا أشبه بمن يطلق النار على رجليه، فلا تيار “المستقبل” قادر على تحمّل انتخابه، ولا السعودية التي يطلب موافقتها عليه رئيساً، قادرة على الوثوق بمرشّح ينفّذ ما يطلبه منه “حزب الله” بلا تردّد”.

في انتظار جلسة الأربعاء التي سيعمد فريق “8 آذار” إلى إفقادها النصاب، تُراوح محاولات عون في استمالة “المستقبل” والسعودية مكانها. لا أحد بات قادراً على مجرّد طرح البحث في الموافقة على ترشيحه، والجميع بمَن فيهم حلفاؤه اتّجهوا للترويج لتسوية رئاسية ليس موجوداً على طاولتها. المناخ الدولي والعربي يتجاذبه احتمالان: الفراغ، أو إيجاد إسم مقبول من القوى الأساسية بما فيها “القوات اللبنانية”.

في السباق بين الفراغ ومرشّح التسوية (المرشّح الرمادي)، يمكن رصد بعض الاتصالات الأوّلية على خط فرنسا وإيران. إتّصالات لم تصل بعد إلى تصوّر الحدّ الأدنى لإنتاج إسم على قياس مرحلة إدارة الأزمة، لكنّها مرشّحة لكي تتطوّر، خصوصاً أنّ ما من مصلحةٍ أو قدرةٍ لأيّ طرف دولي أو إقليمي على التعامل مع الفراغ في لبنان الذي هو الوجه الآخر للفوضى.

في فريق “14 آذار” ثمّة من اطمئنّ إلى نتائج الجولة الأولى من الاقتراع. لقد استطاع جعجع ووراءَه قوى “14 آذار” خوضَ معركة رفعِ السقف إلى

المستوى الذي يمكن بعده الكلام عن تسوية واقعية.

إلى ذلك الحين، جعجع مستمرّ في ترشيحه، بدعم كلّ مكوّنات “14 آذار”، فيما فريق “8 آذار” سيتحمّل مسؤولية الفراغ، إذا ما لجأ إلى التعطيل المتكرّر لجلسات الانتخاب.

عند بدء الكلام في التسوية الواقعية، سيكون ترشيح عون قد أصبح من الماضي، وسيكون “حزب الله” قد كرّر سيناريو العام 2008 الذي أدّى إلى انتخاب الرئيس ميشال سليمان، وعندها يمكن قياس موقف عون من أيّ تسوية قد تطيح بأحلامه الرئاسية.

هل سيفتح قنوات الاتصال مع “قاتل” داني شمعون، كما فعل في العام 1988 عندما استضافه في وزارة الدفاع، لتعطيل التجديد للرئيس أمين الجميّل، وهل لديه القدرة على مواجهة التسوية بترتيب تحالف اللحظة الأخيرة مع جعجع؟ وهل سيقبل جعجع بهذا، أم أنّه سينسحب للتسوية، مكتفياً بمشاركته كناخب في اختيار الرئيس المقبل، بعد تحقيق إنجاز شطب ترشيح عون إلى الأبد؟

الأرجح أنّ وصول التسوية سيطيح بمن انتحلَ صفة رئيس التسوية، فانتحالُ الصفة هو أشبه بشيك مزوّر على طاولة من يطبخون في اللحظات الأخيرة إسم الرئيس، وإذا ما بدأ الكلام الجدّي بين السعودية وإيران فهو لن ينتج إلّا حلّاً وسطيّاً يختار إسماً يدير الأزمة لسِتّ سنوات مقبلة