بات ثابتاً أن العماد ميشال عون، حتى إشعار آخر، هو المرشح الوحيد لرئاسة الجمهورية. مرشح تحول دفاعات حزب الله دون اختراقه، ويرى أن التفاهم مع تيار المستقبل فرصة تاريخية لا تضعفه شعبياً
يفد كثيرون متجهمين إلى الرابية هذه الأيام للاستفسار من رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون كيف ينوي خوض الانتخابات النيابية (التي يدعو إلى إجرائها في موعدها) من دون خصم حقيقيّ، بحكم تحالفه مع حزب الله وتصالحه مع تيار المستقبل؟ كيفما التفت الجنرال، يصادف وجهاً أصفر يقلق صاحبه على مستقبله السياسي، في ظل إيحاء عون لكثيرين بأنه يلعب كل أوراقه في هذا الاستحقاق الرئاسي. علماً أن بين الضيوف نواباً ومسؤولين عونيين دأبوا، حتى الأمس القريب، على انتقاد مزايدة عون على حزب الله في بعض ملفات المقاومة، وعدم قدرته على تثبيت قدميه في موقع وسطي.
يبدو عون هادئاً الى أقصى الحدود. لا يستفزه تقرير تلفزيوني ولا تصريحات نيابية أو مقابلات سياسية. يبتسم لمن يسألونه عن خلفية سؤال الإعلامي جورج ياسمين، في إحدى المقابلات، ضيفه عما إذا كان العماد عون سينسحب من السباق الرئاسي لمصلحة الوزير جبران باسيل، في ظل إشاعة مطبخ السمِّ في تيار المستقبل أن علاقة النائب سعد الحريري بباسيل تجعل عرضاً كهذا موضع ترحيب مستقبلي، مفترضين أن حزب الله والرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجية هم من سيقولون لا لباسيل هذه المرة فيخسرون عون، كما يبتسم لمن يقصّون عليه أخباراً عن بورصة بكركي وأسهم قائد الجيش وحاكم المصرف المركزي وغيرهما.
لو كان حزب الله حليف جعجع لما كفّ عن مطالبته بتحريك قمصانه السود لضمان انتخابه
في اجتماع له مع بعض مسؤولي التيار، غداة مغادرة الرئيس ميشال سليمان قصر بعبدا، استعمل عون عبارة لاذعة للقول إنه لم يتخلص من سليمان فحسب، بل من قائد الجيش العماد جان قهوجي أيضاً. فصلاحية ترشيح قهوجي انتهت بالنسبة الى عون في 25 أيار. وهو واثق بأن ما من أحد في فريقه السياسي يريد تنصيب رياض سلامة رئيساً. أما سائر المرشحين، فلا يعدون كونهم مجتمعين (سواء في بكركي أو في أي مكان آخر) مجرد كومة قش يحرقها عون بعود ثقاب واحد حين يقرر ذلك. وهو اليوم متأكد، أكثر من أي وقت سابق، أنه المرشح الأوحد لرئاسة الجمهورية. فتسريب الصرح البطريركي لبعض الأسماء، ومجاهرة جعجع باحتمالات توافقية أخرى، تشير كلها إلى بحث مختلف الأفرقاء عن مرشح آخر، لم ولن يجدوه. ما من مرشح جدي آخر من جهة، وما من أدنى شك لديه في أن حزب الله سيقبل أي مرشح آخر من جهة أخرى. وبعيداً عن بعض الرؤوس الحامية في حزب الله، التي تعتقد أنها قادرة على حكم العالم كله وحدها، لا المنطقة أو لبنان فحسب، يتناهى إلى مسمع عون ما يحكى في صالون الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن نهائية ترشيحه وحده إلى رئاسة الجمهورية وجديته. يتذكر عون جيداً، في هذا السياق، كيف عاد باسيل من جولة له على الرئيسين نبيه بري وتمام سلام والنائب وليد جنبلاط إثر معلومات عن توافق دولي على وجوب الإسراع في تأليف الحكومة اللبنانية، ليعلمه بضرورة تسليم سلام أسماء بعض العونيين ليختار الرئيس المكلف من بينهم الوزراء، ويوزع عليهم الحقائب، فما كان من عون يومها إلا أن سحب ورقة عن طاولة أمامه؛ كتب بضعة أسطر وأرسلها إلى نصر الله، ليتكسر بعدها القرار الدولي بتأليف الحكومة عند أسوار الرابية، ويغلق حزب الله هواتفه الإقليمية ريثما تتحقق المطالب العونية. هامش الاختلاف مع حزب الله على بعض القضايا الصغيرة كبير (بإمكان المنسق العام للتيار بيار رفول أن ينقلها إلى حزب الله فيُحل خمسون في المئة منها)، لكن كلمة السيّد له لا تصير، مهما كانت الظروف، كلمتين. وبناءً عليه مهما كانت تشكيلة الخصم، هو يهاجم ويناور مطمئناً إلى صلابة دفاعه واستحالة اختراقه، وهذا يريحه.
هو المرشح الوحيد لرئاسة الجمهورية، وهو واثق بالفوز. تيار المستقبل لا يزال يكابر، في نظره، رافضاً مد يده جدياً إلى اليد العونية الممدودة إليه، كما كانت فعاليات مؤثرة في قوى 8 آذار قبيل حرب تموز وحتى بعدها تشكك وتندد بملاقاة حزب الله التيار الوطني الحر في منتصف الطريق، إلا أن حسابات عون تؤكد أن الحريري والسعودية سيبادران، آجلاً أو عاجلاً، إلى الإمساك بحبل النجاة العونيّ الممدود إليهما في لحظة التخلي الدولي عنهما.
لو كان حزب الله حليف سمير جعجع، لما كف الأخير ثانية عن مطالبته بتحريك بعض قمصانه السود لضمان انتخابه رئيساً، وخصوصاً أن انتخاب عون رئيساً أقل ضرراً (شوفياً وسعودياً) بالنسبة إلى النائب وليد جنبلاط، من طي صفحة الرئيس سعد الحريري في الحكم، إلا ان عون لا يفكر هذه الأيام بهذه الطريقة. هو أكثر من مقتنع بأن طريقة تيار المستقبل السابقة في الحكم، الإقصائية والإلغائية، لا تؤدي إلى نتيجة. ولا يمكن رئيس الجمهورية أن يأتي في ظل نظام الديمقراطية التوافقية غصباً عن طائفة كبيرة تشعر بأنها مستهدفة، وبأن الرئيس ضدها طوال وجوده في الحكم.
أما ردود الفعل العونية على تفاهمه مع المستقبل، فتذكر عون برد فعل الأشخاص أنفسهم على تفاهمه مع حزب الله. هناك دائماً من يعتقدون بان اللبنانيين يفضلون التقاتل على التفاهم، ويؤيدون من يحرضهم على بعضهم بعضاً لا من يصالحهم مع بعضهم بعضاً. هو يعلم أن بشارة الخوري كان رئيس جمهورية الاستقلال لا الرئيس إميل إدة، وفؤاد شهاب بنى المؤسسات التي صمدت حتى اليوم، لا كميل شمعون أو أمين الجميل. وكل نقاشاته الشعبية تقنعه برغبة المواطنين في الصلح لا القتال، وخصوصاً أنه سيأخذ في السلم المفترض ما عجز عن أخذه في الحرب. ولديه فائض من الثقة بأن من أيّدوه عام 2009 برغم هجوم البطريركية المارونية، وإعلان 14 آذار وغالبية الإعلام وكل المال السياسي لن ينغشوا اليوم، وخصوصاً أن تيار المستقبل مول الحملة الشعواء على تفاهمه مع حزب الله، أما تفاهمه مع المستقبل، فلن يجد ممولاً للهجوم عليه. وبرغم أهمية الاستحقاق الرئاسي ومركزيته بالنسبة إلى التفاهم مع المستقبل، لا يتصرف عون كأن التفاهم مع المستقبل ينحصر في هذه الزاوية؛ هو يقنع نفسه بأن أمراً تاريخياً يمكن أن يصحح هنا، وما عجز عن تحقيقه عام 2006 (بحكم إقناع المستقبل نفسه بأنه المستهدف بتفاهم حزب الله والتيار الوطني الحر) يمكن أن يتحقق اليوم.
يتعامل عون مع هذا الاستحقاق الرئاسي، كما تعامل مع كل الاستحقاقات التي صادفته منذ عودته إلى لبنان عام 2005. في انتخابات ذلك العام، هو حدد حجماً نيابياً لتياره لا يمكنه التنازل عنه، حتى لو أدى ذلك إلى انفصاله عن حلفائه في ثورة الأرز، وخوض الانتخابات وحده؛ وهذا ما حصل فعلاً. لاحقاً، عند تأليف كل حكومة، وفي كل استحقاق رئاسي أو نيابي أو تعيينات إدارية أو غيرها، كان تصحيح التمثيل المسيحي شعاراً عونياً يذعن له في نهاية الأمر جميع الأفرقاء.
منذ عاد إلى لبنان، كان هناك دائماً «عون أمام الإعلام»، وعون آخر مختلف تماماً في صالونه الصغير. كان الأول عدائياً غاضباً يفشل غالباً في التعبير عما يفكر فيه، فيما الثاني هادئ واقعي متفهم ويبرع في التعبير عما يفكر فيه. عبثاً يبحث خصومه اليوم عن عون الأول ليستفزوه ويقاتلوه. عون الثاني هو المرشح لرئاسة الجمهورية.