فيما يصر رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد المتقاعد ميشال عون على استفزاز غيره من السياسيين، فانه لا بد وان يقع في خطأ فادح، خصوصا انه لا يعرف كيفية تقويم ما يصدر عن سواه، ربما لانه لا يستوعب نظرة الغير اليه، او ربما لقناعة منه بانه معصوم عن الخطأ، بدليل فشله في فهم ما صدر عن رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري بالنسبة الى ما هو مطلوب منه لجهة ملء الفراغ الرئاسي، حيث يزعم عون انه افضل من سواه لتولي المنصب، لكنه يخاف ان يؤمن النصاب النيابي للجلسة الانتخابية الرئاسية، مثله مثل بعض من يرعبه ان يسابقه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، والا لن يكون تفسير اخر لفشل مجلس النواب في انتخاب رئيس الجمهورية؟!
من هنا يفهم تصرف عون على حقيقته كونه يستبعد نفسه من السباق الرئاسي كي لا يقال عنه انه غير مؤهل لان يوازي نفسه بمرشح اخر، مفضلا على ان الرهان خاطئ لمجرد اعلان جعجع ترشيح نفسه للرئاسة، مع كل ما يعنيه ذلك من تحد واضح المعالم ازاء ما هو مرجو من اللعبه السياسية ككل، بحسب ما يوصف عادة بان الرجل يعرف من تصرفه وليس نتيجة تصرف غيره، مع العلم انه يؤثر على سمعة الرئاسة الاولى كما على سمعته الشخصية لمجرد انه لا يرغب في الاشتراك بسباق يفتقد فيه الشجاعة الشخصية؟!
واذا كان لا بد من ملء الفراغ الرئاسي، فان عدم اقدام عون على الترشح يعني امرا من اثنين: الاول انه غير مقتنع بنفسه فارسا مؤهلا لان يتولى الرئاسة اما الامر الثاني فهو خوفه من ان لا يصل الى بعبدا التي سبق لها ان لفظته بانقلاب عسكري – سياسي فاضح من الصعب عليه تكراره وهذا ما يراه الدائرون في حلقته السياسية المفرغة من الاصول الوطنية، لان من سبق له ان فر من ارض المعركة وهو السياسي المسؤول عن تولي الرئاسة، لن تسمح له ظروفه بان يكرر معزوفة الفرار، خصوصا انه لم يكن رئيسا سياسيا بقدر ما كان قائدا للجيش تولى منصبا مدنيا بفعل الظروف التي فرضت على رئيس الجمهورية انذاك الرئيس امين الجميل توليته كي لا يترك المنصب خاليا، على اساس تكليف باجراء الانتخابات الرئاسية ليس الا؟!
ان عون الاول الذي رفض تأمين الاجراءات الانتخابية عمل بمنطوق الدستور والقوانين، هو عون الثاني الذي لا يريد رئيسا سواه كونه لا يرى في الصورة السياسية غيره، من خلال ما قاله «انا الرئيس وغيري لا احد»، وهذا يؤدي الى تأصيل الفراغ في الرئاسة الاولى، اعتقادا منه انه مؤهل للمنصب، مع الاخذ في الاعتبار عدم التواصل بين شخصه كجنرال سياسي وبين شخصيته كجنرال اثبتت التجارب عدم قدرته على ان يكون سياسيا بالسليقة؟!
هل يمكن للجنرال عون الاقتناع بانه لن يكون رئيسا للجمهورية طالما بقى على تصرفه السياسي الخالي من اي استيعاب للمنصب المرجو منه، باستثناء القول ان لعبة القضاء والقدر لن تصل الى ما يرجوه حتى ولو بقي المنصب خاليا لسنين طويلة، لعدة اعتبارات في مقدمها ان عون غير قادر على ان يكون رئيسا، وفي اخرها انه قادر على لعب اوراق النصاب القانوني – الدستوري لجلسة الانتخابات، كي لا يخسره اصحابه ممن امكن له جمعهم في تجمع سياسي يعرف انه غير مؤهل وغير قادر في وقت واحد لان يصل الى بعبدا؟!
المفارقة في هذا السياق ان عون لا يرغب بغيره رئيسا للجمهورية كما لا يرغب بان يرى غيره في قصر بعبدا وفي الحالين لن يكون رئيسا للجمهورية، بدليل رغبة سواه بان الرئيس يجب ان يحمل لقب «القادر على ان يتولى المنصب»، وهذا ما لا يراه عون في نفسه، وليس عليه سوى سؤال المحيطين به، كي لا نقول خصومه، وعندها فقط سيعرف انه غير قادر على ان يكون الرئيس العتيد ومن بعده الطوفان، كي لا نقول من بعده الفشل الموصوف في اروع ما يمكن ان يكون عليه الوصف؟!
اما المفارقة الثانية فتقضي بالقول ان الرئاسة تحتاج الى من يحترم تاريخه السياسي والعسكري، قياسا على ما كان عليه يوم كان في سدة الرئاسة الموقتة وعلى رأس الجيش اللبناني لذا لن يكون عليه سوى البحث عن عمل آخر يكفيه فخرا ان يكون رئيسا لفريق سياسي، اما المهمة الاخرى فليس من بوسعه ان ينصحه بها بعد تجربتين فاشلتين وما عليه سوى الاكتفاء بحمل لقب عماد سابق اما لقب رئيس فلن يصل اليه مهما فعل ومهما بلغت به الجرأة لان يتطلع اليها من غير ان يصل اليها؟!
الى اين يمكن العماد المتقاعد ان يصل في بحثه عن الرئاسة الاولى فيما يعرف قبل غيره انه غير قادر على ترجمة حلمه بالوصول الى بعبدا او العودة الى بعبدا وكل ما يقال عكس ذلك يبقى من صميم الاحلام التي عليه التمسك بها حتى ولو اقتضى الامر تأخير حمله اللقب، طالما ان الحلم اقرب اليه من الحقيقة (…) وهذا ما عليه الاكتفاء به حتى اشعار آخر؟!