لا تزال الاتصالات بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري متواصلة. وفي كل يوم تتكشف أفكار وعروض جديدة على طاولة المفاوضات
ما صحة المعلومات التي تداولتها أوساط سياسية، بقوة، في الساعات الأخيرة حول عروض قدمت في الاتصالات بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري، وتتضمن صفقة سياسية تتعلق بإدارة شؤون البلد، متعدية الاتفاق فحسب على اسم عون مرشحاً توافقياً.
لا يزال موضوع الاتصالات بين عون والحريري محور اهتمام الوسط السياسي والإعلامي على السواء. وليس مرد هذا الاهتمام علاقته المباشرة بالاستحقاق الرئاسي قبل موعد 25 أيار، أو بالشغور الرئاسي بعد هذا التاريخ. بل إن ثمة مندرجات عدة تتعلق بهذه الاتصالات، لجهة الملفات التي بحثت فيها، وتأثيراتها على حلفاء الطرفين، وما خلصت إليه حتى الآن. والأهم هو ما بدأت أوساط سياسية تتداوله، ويطرح علامات استفهام حول مواضيع البحث الذي تعدى في بعض مفاصله الأساسية الاستحقاق الرئاسي كأسماء وترشيحات.
ليس الحوار الحالي هو نفسه الذي بدأ منذ أشهر، فالاتصالات انطلقت من لقاء عقده عون والحريري في باريس. حينها قال عون إنه التقى الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «لتقريب وجهات النظر بين أطراف متخاصمين». لكن ما تكشفت عنه اللقاءات التالية دلت على أن اللقاء انطلق من فكرة محددة تعمل على جمع ضدين استمرا أعواماً يغذيان الوسط السياسي والشاشات وصفحات الجرائد بحربهما المباشرة وغير المباشرة. والهدف هو الوصول إلى الاستحقاق بعون مرشحاً توافقياً.
نوعية المفاوضات تبدلت بعدما عادت إلى النقطة الصفر
تطورت الفكرة وتشعبت مع مرور الوقت، ولا سيما بعد تأليف الحكومة واقتراب مهلة الاستحقاق الرئاسي. وخلال المهلة الفاصلة بين شباط و23 نيسان، تاريخ عقد أول جلسة نيابية نال فيها رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع 48 صوتاً، لم تكن العروض على طاولة المفاوضات نفسها، وإن كانت قد دارت حول فكرة واحدة تتجلى بإمكان حصول عون على دعم المستقبل كمرشح توافقي. كرست جلسة 23 نيسان عدم خروج الحريري من صف 14 آذار، وبقاءه، على الأقل علناً، إلى جانب جعجع مرشحاًَ وحيداً لهذه القوى. وجاءت هذه الأصوات كأول رد واضح من جانب الحريري على أسابيع وأيام من الشكوك التي حامت حول موقفه الرمادي.
لكن نتيجة ساحة النجمة، لم تثن عون والحريري عن مواصلة اتصالاتهما ولقاءات المقربين منهما، نادر الحريري من جهة والوزير جبران باسيل من جهة ثانية. ظلت المفاوضات تتقدم وتتشعب بين الطرفين حتى عشية 25 أيار، حين طرح عون ثلاثية الحريري ـــ نصرالله ـــ عون.
وفي جعبة أحد أبرز السياسيين من قوى 8 آذار والمطلعين على الحوارات الدائرة بين بيروت وباريس، ملف كامل عن حصيلة الاتصالات التي جرت في الأسابيع الأخيرة وما أفضت إليه من نتائج لم يحن الوقت بعد لكشفها على الملأ. والملف لا يتعلق حصراً بالترشيحات وإمكان التوافق على عون أو غيره، بل بصفقة التمديد للرئيس السابق ميشال سليمان، وما دار حولها من استدراج عروض فاجأت أقرب المقربين لعون ولقيادات 8 آذار.
لكن ثمة خلاصة واحدة لما جرى في الأيام التي فصلت بين أول جلسة نيابية و25 أيار بعدما أفشل حزب الله محاولات التمديد، هي أن نوعية المفاوضات تبدلت بعدما عادت إلى النقطة الصفر. ولم يعد السؤال المطروح هل يدعم الحريري جعجع، بل هل يدعم الحريري عون؟
هناك روايتان: الأولى أن الحريري وعد عون بالرئاسة وأوقفته السعودية عند هذا الحد، والثانية أن الحريري لم يعد عون، بل طلب منه تأييداً علنياً له من قوى 8 آذار وتأييداً مسيحياً من جانب القيادات المسيحية التي اجتمعت في بكركي.
لكن بين الروايتين نقطة التقاء واحدة، هي أن عون لم يعلن ترشّحه بعد، والمفاوضات مستمرة، إلا أنها أيضاً هذه المرة اتخذت وجهة جديدة تختلف عن تلك التي انطلقت منها قبل أشهر.
منذ اجتماع باريس وحتى اليوم، تغيرت معطيات كثيرة، إقليمية ودولية ومحلية. في تطور محلي بارز زار عون، باتفاق صاغته الحلقة الضيقة حوله، الرئيس نبيه بري، ما أعطى انطباعاً أولياً بأن مفاوضات باريس فشلت إلى الحد الذي جعل عون يعيد حساباته فيعود إلى عين التينة. لكن ما جرى تداوله أخيراً، أعطى إطاراً مختلفاً لزيارة عين التينة، وفتح العيون على بعض تفاصيل رشحت من لقاءات باريس وملحقاتها.
وبحسب أوساط سياسية، فإن العروض الأخيرة التي قدمها عون بعدما وصل ملف رئاسياته إلى طريق مسدود، توسعت من مجرد طرح اسمه توافقياً، إلى عرض موسع يقضي باستعادة مرحلة الرئيس الراحل رفيق الحريري التي كان يمسك خلالها بزمام البلد اقتصادياً في مقابل ترك المقاومة بيد حزب الله. وتتحدث معلومات هذه الأوساط عن أن العرض قدم جدياً، بعدما استنفدت كل المحاولات المتعلقة بإعطاء الحريري عون دعماً مباشراً وعلنياً، فما دامت الأوضاع السياسية في المنطقة تقضي مرحلياً بتوازن سعودي ــــ إيراني، وباستمرار المراوحة العسكرية في سوريا، وبقاء السلاح في يد حزب الله الذي بات موجوداً في لبنان وسوريا معاً، وبما أنه مطلوب الاستقرار في لبنان، فما الذي يمنع استعادة مرحلة الحريري الأب، وإجراء مقايضة بين الاقتصاد والأمن والرئاسة. يبقى الأمن والسلاح بيد حزب الله وتبقى إدارة الملف الاقتصادي والمالي بيد الحريري وتكون الرئاسة بيد عون.
عرض ظهرت تباشيره الأولية بإعطاء المستقبل التعيينات التي يريدها في الحكومة، وتبدل الموقف من سلسلة الرتب والرواتب، وتأييده إجراء الانتخابات النيابية، ولو على أساس قانون الستين الذي شن حرباً من أجله في الدوحة وحرباً عليه عند انتهاء ولاية المجلس النيابي، ما أطاح الانتخابات النيابية. والحبل على الجرار.
لكنّ ثمة سؤالاً أبعد من زيارة عون عين التينة وموقف حزب الله من ترشيح عون: من قال إن حزب الله يريد استعادة مرحلة وضع المالية العامة والاقتصاد بيد الفريق نفسه الذي يتهمه اليوم بأنه السبب في ما وصلت إليه البلاد؟ ما ظهر حتى الآن أن الحزب لم يضع بعد كتاب «الإبراء المستحيل» على الرف، على عكس واضعيه.