IMLebanon

عون لا حالم ولا مكتئب: لا يزال الوقت متاحاً

جلسة سابعة وثامنة وتاسعة، وربما تزيد عن الرقم 19 الذي رافق انتخابات الرئاسة عام 2007، قبل أن يُنتخب الرئيس في الجلسة 20. قد يكون مجلس النواب مقبلاً على تكرار السابقة. لكن الأصح أن أحداً، أي أحد من المسؤولين، لا يسعه القول متى انتخاب الرئيس، وكيف، ومَن يكون؟

لم تختلف الجلسة السابعة لالتئام مجلس النواب لانتخاب الرئيس عن الجلسات السابقة. ومن المرجح أن تشبهها جلسات لاحقة تمتد الى الأشهر المقبلة. على غرار سابقاتها، لم تكتف الجلسة السابعة بتعذر اكتمال النصاب القانوني، بل أيضاً بتأكيد استحالة الاتفاق على رئيس جديد للجمهورية في مدى قريب.

وقد يتطلب الاتفاق عليه انتظار ما هو أبعد من نهاية الصيف.

في جانب من هذا الانتظار بضعة معطيات:

1 ـــ استمرار بقاء الرئيس ميشال عون حجر الرحى يتحكم بمسار الاستحقاق، سواء بمضيه في مقاطعة جلسات الانتخاب، أو في مثابرته على التفاوض مع الرئيس سعد الحريري من دون نتائج ملموسة بعد، أو من خلال إصراره على أن لا خيار آخر لديه للرئاسة سوى اعتقاده بأنه صاحب الحظ الأوفر والقاعدة الأصلب. لا أحد من المحيطين به أو حلفائه يتوقعون اقتناعه في وقت قريب باستنفاد فرصة وصوله الى الرئاسة، ولا أحد من بينهم يجرؤ على مفاتحته بخيار مختلف. ناهيك بيقينه الكامل بأن من المبكر جداً البحث في حلول بديلة.

بعض مَن اطلع على المواقف الأخيرة لعون، وأخصّها مع النائب سليمان فرنجيه في لقائهما قبل أيام، لاحظ اتسامها بشفافية ظاهرة بين الرجلين حملت الزعيم الزغرتاوي على التأكيد لمضيفه أن لا مرشح لفريقهما سوى عون فقط. خرج فرنجيه من الاجتماع بانطباع مثلث الاتجاه: لا أوهام لدى رئيس تكتل التغيير والاصلاح من مواقف واشنطن والرياض والسنّة، وخصوصاً الحريري، حيال تأييده لانتخابات الرئاسة. من خلال الحريري يحاور السعودية التي لم توصد باب التفاوض غير المباشر معه، لكنها اليوم ـــ أكثر من أي وقت مضى ـــ أكثر تصلباً في مقاربة الاستحقاق اللبناني ورفض التساهل بإزائه. لأشهر خلت لمس عون أكثر من إشارة من السفير الاميركي دافيد هيل عن تأييد إدارته انتخابه رئيساً تبعاً لحجة قالت حينذاك بأن انتخاب عون يوفر الاستقرار السياسي للبنان، ويعيد الحريري الى رئاسة الحكومة، ويشق الطريق في ما بعد أمام تفكيك انخراط حزب الله في الحرب السورية.

الرئيس السوري

لسليمان فرنجيه: الكلمة لنصرالله

تلقف المحيطون بعون تلك الاشارات بجدية ورصانة، بعدما تحققوا من الدور المهم الذي تنيطه واشنطن بسفيرها في بيروت، وأمل الجنرال بدوره في أن تمارس الإدارة الأميركية ضغطاً على الرياض لحملها على تأييد انتخابه. بعيداً من مهمات سفارته في بيروت، يسافر هيل الى باريس والسعودية للخوض في مشكلات لبنانية بعدما تأكد أنه المولج الرئيسي بالملف اللبناني، ولم يُعهد به الى موفد أميركي آخر شأن ما اعتادته الادارات الاميركية المتعاقبة، وخصوصاً في الاستحقاق الرئاسي. في وقت لاحق، لاحظ عون فكاك التأييد الاميركي عنه، من دون انقطاع تواصله مع السفير الكثير الإلمام بالتفاصيل الدقيقة.

2 ـــ يتمسك الجنرال بسلة حجج تجعله يصبر على الاستحقاق الى أمد غير معروف، في معزل عن تداعيات شغور رئاسة الجمهورية:

أولاها أن البلاد أمام فرصة حقيقية كي تضع السلطة في أيدي الأقوياء الثلاثة في طوائفهم، الشيعة والسنّة والمسيحيين. وهو يتصرف على أنه الأقوى بين المسيحيين وصاحب الشرعية الشعبية، في موازاة الحريري وحزب الله.

ثانيها انطلاقه من قاعدة نيابية متينة هي 57 نائباً يؤيدونه، تجعله أقرب الى انتخابه، ما يحمله سلفاً على رفض تجيير هذا الرصيد الى أي أحد.

ثالثها وثوقه من أنه لا يزال قادراً على إقناع الحريري، ومن خلاله السعودية، بأن وجوده في السلطة يطمئن الجميع. لا ينتظر إجابات سريعة من الرئيس السابق للحكومة لسبب مبرّر ومنطقي هو أن السعودية لم تقل كلمتها بعد. في اعتقاد عون أن انتظار بعض الوقت والتطورات المحتملة في المنطقة يجعلان من السهولة بمكان توقع تعديل جوهري في مواقف جامدة.

3 ـــ من باب المبالغة الاعتقاد بأن لحزب الله، في الوقت الحاضر على الأقل، مرشحاً سوى حليفه رئيس تكتل التغيير والاصلاح. تالياً لا اسم على لائحة الحزب يخلف عون في الرئاسة بما في ذلك قائد الجيش العماد جان قهوجي بعدما شاع أن حزب الله يؤيده من دون إعلان رسمي.

واقع الأمر أن خياراً كهذا دونه عقبتان رئيستان هما عون ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط. الأول حليف رئيسي للحزب لا قِبَلَ لأحدهما بالتخلي عن الآخر وخصوصاً في الاستحقاق الرئاسي. والثاني قوة رقمية ومعنوية في الوقت نفسه يستمد قوته من تعذّر الاتفاق على رئيس حتى الآن، إلا أنه يساوي حتماً في رفضه بين عون وقهوجي ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.

إلا أن الموقف القاطع لحزب الله أن لا مرشح له سوى عون الذي يظن بدوره أن تأمين اقتراع تيار المستقبل لانتخابه رئيساً، يجعل انضمام جنبلاط إليه حتمياً من خلال دور رئيس المجلس نبيه بري وتأثيره المعروف على الزعيم الدرزي. لن يجد حزب الله نفسه في أي وقت محرجاً كي يفاضل بين عون وقهوجي. في هذا الشأن لا تزال الكلمة الفصل عند الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله. على اثر انتخابات الرئاسة السورية في 3 حزيران، قصد فرنجيه دمشق والتقى الرئيس بشار الاسد، وسأله موقفه من الوضع اللبناني، وتحديداً الاستحقاق. كان رد الأسد أن الموقف الذي يتخذه نصرالله هو موقفه، في إشارة صريحة الى إطلاق يد الأمين العام لحزب الله في الاستحقاق والملفات الشائكة في لبنان.

4 ـــ لا يريد عون التعاطي معه كمرشح غالبية، بل أن يصير الى انتخابه بالإجماع أو ما يشبه الإجماع. لا يريد بذلك أيضاً أن يُنظر اليه كرئيس تحد، بل أن يحظى بتأييد السنّة. مع ذلك لم يقل الحريري بعد كلمته، لأن الرياض لم تقل أساساً كلمتها. في المقلب الآخر، لا يقول الحريري والسنّة لعون إنهم استنفدوا الوقت في التفاوض معه، ولا يوصدون دونه أبواب الحوار.

بل يبدو للمطلعين عن قرب على موقف تيار المستقبل، أنه يحاول جني ثمار حوار لم يحمل التيار ورئيسه على تقديم أي تنازل جوهري أو ذي مغزى لعون حتى الآن، ولا قول الكلمة التي يتشوق الى سماعها. يتمسك تيار المستقبل بمسار التفاوض بعدما أشاع الاستقرار وبدّد التشنج الداخلي، وأبقى على الحوار أداة تواصل بين الافرقاء، وأتاح لحكومة الرئيس تمام سلام الاجتماع والمحافظة على تماسكها في الظاهر في أحسن الأحوال، وحمل عون على تقديم مزيد من التنازلات بغية إبعاده عن حزب الله بالقدر المتيسر على الأقل، وفي تفاصيل صغيرة وثانوية حتى. كانت بضعة تنازلات أوحى بها عون أثارت قلق بعض حلفائه بعد إقرانه إياها بالوصول الى الرئاسة، كتبرئة تيار المستقبل من التهم المساقة إلى سياساته المالية والفساد والإهدار، ومفاخرته بإبعاده الحريري عن لبنان قبل أكثر من ثلاث سنوات.