IMLebanon

عون لا يذهب الى جلسة يخرج منها أرنب ما؟

يكاد يكون الحوار الدائر بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، على ندرة ما ينبثق منه، الثابت الدائم في غابة متغيرات ترتبط تارة بتعذر التئام مجلسي النواب والوزراء وطورا بحوادث امنية خطيرة. يستمر حوارهما من غير ان يصل الى هدفه: انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية

تتباين الى حد التناقض الانطباعات التي يشيعها نواب في التيار الوطني الحر وتيار المستقبل عن مسار الحوار الدائر بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، مشفوعا بمواقف متنافرة تتحدث مرة عن انقطاعه التام، ومرة اخرى عن استمراره وتقدمه. وبدا من ردود الفعل المتبادلة، المترجحة بين التطمين وايصاد الابواب، ان جانبا رئيسيا من هذا الحوار محوط بالغموض والالتباس.

وعلى وفرة ما يردده قريبون منه عن اهمية الملفات التي يطرقها الحوار، الا ان ايا من الاشارات الايجابية لم يتلقها عون من السعودية. تحدث هؤلاء باستمرار عن ان حوارهم مع تيار المستقبل هو في الاساس مخاطبة غير مباشرة للمملكة التي لم تجب حتى الآن سوى بصوغ مواقف غير مريحة، ابرزها:

ـــ لا تأييد سعوديا جديا او قرار نهائيا بتأييد وصول عون الى رئاسة الجمهورية.

ـــ تقف الرياض على مسافة واحدة من الافرقاء اللبنانيين جميعا، بمن فيهم رئيس تكتل التغيير والاصلاح.

ـــ الحليف الاستراتيجي للمملكة كان ولا يزال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. وهو سيستمر كذلك، وتدعم ترشيحه لرئاسة الجمهورية.

ـــ لم تقل بتأييد الحوار الدائر بين عون والحريري، ولا طلبت تجميده او وقف التواصل نهائيا، وتتصرف حياله بكثير من اللامبالاة والاهمال كأن شيئا من ذلك كله لا يحصل.

بلغت هذه المواقف الى عون تكرارا عبر السفير السعودي علي عواض عسيري، او شخصيات لبنانية على صلة وثيقة بالرياض. في المقابل تتواتر الاخبار عن تقدم ملموس في العلاقة بين وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل ومدير مكتب الحريري ابن عمته نادر الحريري، يمتزج فيها الطابع الشخصي بالمناقشة السياسية في لقاءات دورية يعقدانها. مع ذلك لا يسع احداً اخراج هذا الحوار من غموضه مذ بدأ جديا في كانون الثاني الماضي، في روما، بلقاء عون والحريري، ثم كانت له تتمة بعد اشهر في باريس قبل ان ينتقل الى موفدين شخصيين بين الرجلين في بيروت تارة، وفي باريس احيانا منها لقاءات باسيل بالرئيس السابق للحكومة.

اشارات سعودية غير مطمئنة الى عون: جعجع حليفنا الاستراتيجي

ويُعزى هذا الغموض الى بضعة معطيات، ابرزها:

1 ـــ ان رئيس تكتل التغيير والاصلاح لا يضع مهلة محددة لنهاية حواره مع الحريري، وان بدا اعتقاده ان 20 آب، موعد ولوج التحضير للانتخابات النيابية، قد يقصّر المهلة المفتوحة عندما يقرر الرجلان ما يقتضي ان يفعلا في الاستحقاق التالي. حتى ذلك الوقت، كل منهما ينتظر من الآخر التقدّم خطوة في اتجاهه. الا ان لكل منهما مقاربة مختلفة في بعض جوانب حوارهما: ليس لدى عون ما يقوله في انتخابات الرئاسة سوى انه يريد انتخابه هو رئيسا، ولا يسع الحريري التخلص من عبء ترشح جعجع سوى القبول باستمرار الحوار مع عون الذي يعني في نهاية المطاف ان لا انتخابات رئاسية وشيكة. بذلك يبدوان غير مستعجلين انتخاب الرئيس الجديد.

2 ـــ لا يزال عون متمسكا بترشحه الذي يجعله، وكذلك الوثيقي الصلة به، يجزمون بأن لا انتخاب وشيكا ما لم يكن الجنرال هو الرئيس. يربط هؤلاء بين الاستحقاق الرئاسي وتطورات المنطقة، ويمددون مهلة الشغور الى امد غير منظور الى ان يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود في الحرب الدائرة في العراق.

3 ـــ ليس لعون خيار سوى استمرار التواصل مع الحريري بعدما اضحى اسير موقفه، وهو انه يريد انتخابه بأكثر من الثلثين بقليل، او بأقل من الثلثين بقليل، لكن بالتأكيد ليس بالاكثرية المطلقة التي تجعله ــــ على طرف نقيض من شعار مناداته بالرئيس القوي ـــــ يمثل نصف المسيحيين ونصف المسلمين. ابلغ الجنرال موقفه هذا الى محاوريه قائلا انه لا يريد انتخابه كأي رئيس آخر، او ممارسة الحكم كسواه من الرؤساء الذين اداروا ازمات البلاد: 65 صوتاً تجعله رئيسا من دون ان تمكنه من ان يحكم.

يقطع الطريق ايضاً على القائلين بأنه يعطل جلسات انتخاب الرئيس، ويقول ان بين يديه 65 صوتا كافية لانتخابه اكثر من المرشحين الآخرين، جعجع والنائب هنري حلو. الا ان لسواه تأمين نصاب الثلثين. في المقابل لا يجازف في الذهاب الى جلسة الثلثين كي يخرج منها ارنب ما. من دون اتفاق مسبق مع الحريري، يصبح مشهد جلسة الانتخاب مختلفا تماما ويخرج منها المحظور.

4 ـــ قبل ذهابه الى اول جولة حوار مباشر مع الرئيس السابق للحكومة، قال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لرئيس تكتل التغيير والاصلاح عبارة مقتضبة، بعدما حدد الاخير اهداف الحوار المرتقب: انت الضمان.

كانت تلك اشارة تأييد مبكرة لما سيقدم عليه الجنرال، وما يتوقعه منه حزب الله، وهو ان يعود بالحريري الى الحوار معه لفتح صفحة جديدة في العلاقات السنّية ــــ الشيعية في لبنان، وبين الرجلين. ورغم الاعتقاد الشائع بأن حزب الله لن يعلن تأييده العلني ترشيح عون، الا ان ما يبدو معنيا به، اكثر من الاستحقاق الرئاسي، هو استعادة الحوار المجدي مع تيار المستقبل ورئيسه، في مرحلة تبدو اقرب الى انقطاع التواصل بين السعودية وايران بعد التطورات الاخيرة في العراق، والاتهامات التي يتبادلها البلدان في دعم كل منهما احد طرفي النزاع العراقي.

5 ـــ مع اقتراب الانتخابات النيابية المقررة بين 20 ايلول و20 تشرين الثاني، يتحضر عون لاطلاق مفاجأة في مؤتمر صحافي يعلن فيه رفضه اجراء الانتخابات النيابية وفق قانون 2008، وكذلك تمديد ولاية مجلس النواب، واستعداد تكتله للطعن لدى المجلس الدستوري في اي قانون تمديد يبدو في حسابات الندّين الآخرين، حزب الله وتيار المستقبل، انه افضل الخيارات المطلوبة للمرحلة المقبلة: لا حزب الله حاضر لاستدعاء الوف مقاتليه من سوريا كي يديروا حملته الانتخابية في مرحلة تورطه في نزاعات اقليمية خطيرة تزداد كلفتها يوما تلو الآخر، ولا الحريري جاهز بدوره من الخارج لادارة حملة مشابهة بحدتها وشعاراتها وتمويلها وتحالفاتها لانتخابات 2009، من غير ان يكون متيقنا من انه سيخرج منها بكتلة نيابية كبيرة كالتي يرأس اليوم. ناهيك بعقبات دستورية وسياسية تنشأ من اجراء انتخابات نيابية تسبق انتخاب الرئيس الجديد. لا حكومة الرئيس تمام سلام في واقع الصلاحيات الرئاسية بين يديها قادرة على وضع قانون جديد للانتخاب، ولا الحريري يبدو في وارد اعطاء عون في زحلة والكورة والدائرة الاولى من بيروت ـــ وهو ما يحتاج اليه محاوره ـــ ما سبق ان اعطاه لحلفائه في انتخابات 2005 و2009.