يبدو المشهد السياسي الداخلي مفتقرا الى بوصلة تحدد اولوياته في ظل التداخل القوي بين أزمة الفراغ الرئاسي التي تكمل بعد ثلاثة ايام شهرها الثالث والآفاق الغامضة لاستحقاق الانتخابات النيابية عقب صدور مرسوم دعوة الهيئات الناخبة متأخرا عن موعده. واذ يبدو واضحا ان مختلف القوى السياسية تغرق مجددا في حسابات تتجاوز الواقع الداخلي الى ترقب تداعيات التطورات الجارية في العراق بعد سوريا هذه المرة، فان الازمتين الرئاسية والنيابية تتجهان نحو مزيد من الجمود والمراوحة نظرا الى استبعاد اي تطور في المدى القريب من شأنه ان يكسر هذا الجمود .
وسط هذا المناخ انبرى “تكتل التغيير والاصلاح ” في اليومين الاخيرين لمحاولة تحريك الجمود الداخلي بتحركين متعاقبين استوقفا المراقبين من حيث دلالتهما وتوقيتهما اللذان يغلب الاعتقاد انهما على صلة مباشرة بالحسابات الرئاسية لرئيس التكتل العماد ميشال عون. وبعد البيان الذي اصدره التكتل أول من أمس حاملا نبرة تصعيدية في شأن ما وصفه بـ”معركة التصفية السياسية من الموصل الى بعبدا ” بادر أمس الامين العام للتكتل النائب ابرهيم كنعان الى تقديم نص اقتراح قانون بتعديل دستوري وقعه عشرة من نواب التكتل الى الامانة العامة لمجلس النواب يقضي بانتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع الشعبي المباشر، على ان يعقد كنعان مؤتمرا صحافيا اليوم لشرح الاقتراح .
واذ بدا من الاصداء الفورية المتنوعة للاقتراح انه اثار رفض خصوم عون ولم ينزل بردا وسلاما على القوى الحليفة الاساسية له في قوى 8 آذار، دافع كنعان عن الاقتراح رافضا تصويره كمحاولة للمسّ باتفاق الطائف. وقال لـ”النهار” ان الاقتراح يتعلق بالمادة 49 من الدستور وتحديدا بالفقرة 2 منها التي تلحظ آلية انتخاب رئيس الجمهورية في مجلس النواب. وينص الاقتراح على تعديل الفقرة بحيث يصير انتخاب الرئيس على دورتين: الاولى ينتخب فيها الرئيس بالاقتراع المباشر في دورة تأهيلية اولى يختار فيها المواطنون اللبنانيون من مختلف الطوائف المسيحية المنافسين الاثنين لموقع الرئاسة، ثم تجري دورة ثانية ينتخب فيها اللبنانيون من مختلف الطوائف المسيحية والاسلامية رئيس الجمهورية من المرشحين الاثنين. ولفت كنعان الى ان المادة 49 “عدلت ثلاث مرات سابقا في شكل سلبي اما لتمديد ولاية رئاسية واما لاتاحة مخالفة لانتخاب رئيس كان يشغل وظيفة فئة اولى من دون الاستقالة قبل سنتين”. واضاف: “هذه المادة تقنية تتعلق بآلية انتخاب الرئيس ولا علاقة لها بصلاحيات الرئيس ولا بالمناصفة ولا تمس تاليا جوهر الطائف بل نحن نرى انها الوسيلة الفضلى لاحترام الطائف والمناصفة”. واعتبر ان الاقتراح ينسجم مع مذكرة الثوابت المسيحية لبكركي التي نادت برئيس قوي في بيئته”.
وفيما علمت “النهار” من مصادر بارزة في قوى 8 آذار ان هذه القوى لم تنظر بارتياح الى تقديم الاقتراح، قوبل من قوى 14 آذار برفض واضح ولو بتفاوت في التعبير. وبدت واضحة رغبة قيادة حزب الكتائب اللبنانية في تحاشي الإنجرار إلى سجال مع النائب العماد عون حول الاقتراح وعدم تسليط الضوء عليه باعتباره غير جدي. في المقابل قال مصدر في حزب “القوات اللبنانية” لـ”النهار” إن “لا مانع لدينا من انتخاب الرئيس من الشعب، فالدساتير غير منزلة، لكننا نشترط فك أسر الطائفة الشيعية ولبنان تالياً من وطأة سلاح “حزب الله” كي يتمكن اللبنانيون جميعاً من التعبير عن رأيهم بحرية”. وأضاف ان الإقتراح العوني “توقيته ملتبس والغاية منه الإمعان في تفريغ السلطة. وطلبه تعديل الدستور الآن يشبه طلب تعديل المناهج التربوية قبل الإمتحانات. فلننتخب رئيساً وليربح من يربح ثم ننظر في تعديل الدستور. أما اقتراح تعديل الدستور اليوم فتوقيته خاطئ مئة في المئة”.
في غضون ذلك، ردد رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زواره انه لا يزال في الامكان اجراء الانتخابات الرئاسية على رغم التأخير الذي حصل، وان هذه الانتخابات يجب ان تبقى في اولوية الاولويات، زائد اجراء الانتخابات النيابية في موعدها وقبل انتهاء الولاية الممدّدة للمجلس شرط ان يبقى الوضع الامني مقبولا وكما هو الآن.
وأبلغ بري “النهار” انه لا يوفر سبيلا للوساطة الى جانب النائب وليد جنبلاط لايجاد مخرج يؤدي الى ملء الشغور الرئاسي. واذ رفض الحديث عن التمديد تساءل: “لماذا طرح التمديد للمجلس ولا يزال امامنا بعض الوقت الكافي لانجاز الاستحقاق الرئاسي؟” وخلص الى ان المهلة المتبقية للمجلس حتى 20 تشرين الثاني “كافية لانتخاب رئيس اذا حصل توافق داخلي”.
مجلس الوزراء
الى ذلك علمت “النهار” ان رئيس مجلس الوزراء تمام سلام حرص على ان لا تدخل السياسة في مناقشات الجلسة العادية التي عقدها المجلس أمس واستمرت قرابة ست ساعات ونصف ساعة. وهو قال في مستهلها ردا على طلب وزير الخارجية جبران باسيل الادلاء بمداخلة سياسية: “النفايات أولا” في اشارة الى ان جدول أعمال الجلسة محصور بالنفايات الصلبة. وفي آخر الجلسة أبلغ الرئيس سلام الوزراء أنه سيرأس وفد لبنان الى الدورة السنوية للامم المتحدة الشهر المقبل في نيويورك على رأس وفد مصغّر جدا يضمه ووزير الخارجية فقط مع عدد محدود من المستشارين “حرصا على عدم اغتياب موقع رئاسة الجمهورية الشاغر حاليا” على حدّ تعبيره . وقد حظي كلامه بثناء من عدد من الوزراء ووصفوه بأنه “موقف وطني ونبيل”.
بالنسبة الى الجلسة تركزت مناقشاتها طوال أربع ساعات على ملف النفايات الصلبة في حضور رئيس مجلس الانماء والاعمار نبيل الجسر. لكن البحث لم يؤد الى حسم الملف سواء لناحية الاتفاق على طريقة معالجته أو لناحية تمديد عقد شركة “سوكلين” أو لناحية الاتفاق على مطمر الناعمة. وانتهى البحث الى اعتماد أسلوب المهل على ان تنجز اللجنة الفرعية التي شكّلها المجلس برئاسة الوزير سمير مقبل مهمتها في مهلة أقصاها 15 يوما. وعلم ان الاتجاه هو الى فتح الباب امام عقود جديدة لشركات محلية وخارجية على مستوى المحافظات مبدئيا واعتماد مبدأ تعدد الشركات في المرحلة المقبلة.
بعد ذلك، وإثر الانتهاء من موضوع النفايات، وجد المجلس متسعا لمتابعة البحث في البنود المرجأة من الجلسة السابقة وعددها 59 بندا، فأقر عددا منها وهي بنود عادية. لكن النقاش توقف عند بند خط التوتر العالي في منطقة المنصورية المثير للجدل. وقد اعترض وزراء الكتائب على هذا البند نظرا الى ما يعتبره السكان خطرا على الصحة العامة واقترح وزير العمل سجعان قزي إجراء مشاورات مع فاعليات المنطقة ولا سيما منها السياسية التي تشمل الكتائب و”التيار الوطني الحر”.
كما طرح وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس ملف اللاجئين السوريين، فتقرر منح اللاجئين الراغبين في العودة الى سوريا وهم الآن في وضع مخالف لقوانين الاقامة إعفاء من الغرامة الباهظة التي يترتب عليهم دفعها في الاحوال العادية. وقال الوزير درباس ان المفوضية السامية للامم المتحدة للاجئين ترفض أن تشمل مساعداتها اللاجئين العراقيين، فقرر مجلس الوزراء إبلاغ المسؤولين عن المفوضية أنه لا يحق لها ان تمارس أنتقائية على هذا الصعيد وهذ الموقف سيتولى الوزير درباس إبلاغه للمنظمة الدولية.
وسط هذه الاجواء، جرى امس احياء ذكرى مزدوجة في كل من بيروت وطرابلس: الاولى هي الذكرى السنوية الاولى للمجزرة الكيميائية في الغوطة عبر تجمع لناشطين في ساحة الشهداء في وسط بيروت، والثانية هي الذكرى السنوية لتفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس بمسيرة شعبية اليهما .