IMLebanon

عون مدعو لمراجعة مقال له قبل أعوام: “سيحكم التاريخ علينا جميعاً بحسب أفعالنا”

عندما ناط الدستور صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء مجتمعاً عند خلو سدة الرئاسة، لم يكن المشترع يقصد أن تصبح هذه الوكالة دائمة انما موقتة بدليل ان المادة 74 نصت: “فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون”، ونصت المادة 75: “ان المجلس الملتئم لانتخاب رئيس للجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة من دون مناقشة أو أي عمل آخر”. لكن المشترع لم يفكر في أن نواباً سيتغيّبون عن الجلسة لتعطيل الانتخاب والا لكان لحظ نصاً يعاقب كل من يتغيب عن الجلسة من دون عذر شرعي.

يقول الدكتور ادمون رباط في دراسة له: “ان خلو الوظيفة لا يتعارض ونظرية استمرار الدولة وادارتها العامة. فالدستور قد احتاط للفراغ بالمادتين 62 و74، وفي هذه الحالة يكون التجاوز في فهم النصوص وتفسيرها واهمال وجودها وعدم الالتفات الى اطلاقها لكي يحل محلها رأي لا يمت بأية صلة الى احكام مكتوبة جازمة ولا يستوحي من أي أثر مما قد يكون الفقه أو الاجتهاد قد توصل اليه. ومن المتفق عليه في القانون الدستوري انه من المستحيل عملياً رسم الحدود التي تجرى هذه الممارسة في مواقعها، ذلك ان هذه الصلاحية تتصف جوهرياً بالنسبية باعتبار انه يقتضي على الحكومة أن تبادر وجوباً الى اتخاذ جميع الاجراءات التي تتطلبها الحالة القائمة مهما كان لهذه الاجراءات من ذيول ونتائج، وذلك بشرط واحد هو أن تكون مضطرة حفظاً للمصلحة العامة، الى أن تقدم على هذا العمل الذي لا بد من اجرائه وهي القاعدة السياسية المعروفة، أي أن تكون سلامة الشعب هي “القانون الاسمى”. ويتساءل رباط: “هل من اجراء أشد خطورة وإلحاحاً من ممارسة الحكم في غياب رئيس الجمهورية لأي سبب كان ومنه انقضاء مدة ولايته؟ لا شك في انه يتوجب على مجلس النواب الالتئام حتى إذا لم يكن ذلك في الفترة المحددة في المادة 73 من الدستور، أي بعد انقضائها، وذلك لأنه يقتضي عليه الاجتماع فوراً بحكم القانون وان التأخر في اتمام الواجب الدستوري خير من اهماله”. إلاّ انه فات الدكتور رباط وكذلك واضعي نصوص الدستور، ان العلة ليست في النصوص انما في النفوس. فجلسات انتخاب رئيس الجمهورية ظلت معطلة أشهراً عدة بسبب لجوء نواب 8 آذار الى التغيب عنها الى أن فرض عليهم حضورها اتفاق الدوحة، وها ان هؤلاء النواب يكررون ذلك اليوم باستثناء نواب كتلة الرئيس نبيه بري في انتظار ايصال من يريدون الى الرئاسة الاولى أو انتظار أمر من خارج يفرض حضورهم.

ان الحكومات التي تشكلت في الماضي عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية انما تشكلت كي تعمل على انتخاب خلف له قبل أي شيء آخر، في حين ان الحكومة الحالية تشكلت وفي ظن وزراء فيها أن يحلوا محل رئيس الجمهورية في ممارسة صلاحياته الى أجل غير معروف، والا كيف يمكن تفسير تغيب هؤلاء الوزراء مع من يمثلون عن جلسات الانتخاب، أي كتلة “الوفاء للمقاومة” وكتلة “التغيير والاصلاح” وكتلة النائب سليمان فرنجيه، وكيف لحكومة مطلوب منها العمل قبل أي شيء آخر على انتخاب رئيس للجمهورية وفيها وزراء يمثلون كتلاً اساسية في قوى 8 آذار يغيبون مع نواب هذه الكتل عن جلسات الانتخاب ليبقى منصب الرئاسة الاولى شاغراً، وأن تظل الحكومة تتولى صلاحيات الرئاسة الى أجل غير معروف ويختلف اعضاؤها على ممارستها، ما يهددها بالانفجار من الداخل فيحصل عندئذ الفراغ الحكومي بعد الفراغ الرئاسي، ثم فراغ مجلسي إذا تعذر الاتفاق على قانون تجرى الانتخابات النيابية على أساسه وصار خلاف على التمديد مرة أخرى لمجلس النواب.

لقد اتفق النواب على ان تعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور الثلثين، فحسم هذا الاتفاق الجدل في الموضوع، ولكن عندما يتعمّد نواب لأسباب سياسية او شخصية او حزبية تعطيل تأمين نصاب الثلثين، فان الأمر يتطلب عندئذ اتفاقاً على كيفية تأمين هذا النصاب لئلا يصبح تعطيل جلسات انتخاب الرئيس قاعدة عند كل استحقاق وهذا اخطر ما تواجهه البلاد، واهم ما يجب تعديله في الدستور هو جعل حضور النواب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية إلزامياً لأنه ليس مشروع قانون يمكن تأجيل اقراره ويجوز للنواب التغيب عن الجلسة لهذه الغاية. فهل هذا ما يريده مقاطعو جلسات انتخاب الرئيس ولا سيما الزعيم الماروني العماد ميشال عون، وان يظل الخارج هو الذي يصنع الرؤساء ويؤلف الحكومات في لبنان… ولا يتذكر ما جاء في مقال له في “وول ستريت جورنال” قبل سنوات تحت عنوان: “سيحكم التاريخ علينا جميعاً بحسب أفعالنا”؟