على الرغم من أحداث العراق وإعلان «دولة الخلافة الاسلامية» والمخاطر التي تحيق بالمنطقة، ما تزال الساحة السياسية في لبنان غارقة في عقدة الفراغ الرئاسي وانعكاساته السلبية على مسار المؤسسات الأخرى شبه المعطلة، في وقت لا تبدو في الأفق اي مؤشرات لفك هذه العقدة.
لقد انتهى شهر العسل بين ميشال عون و«المستقبل»، وانقطع الأمل في إمكان التوصل الى تفاهم بين الفريقين الأقوى مارونيا وسنّيا. هو لم يكن شهر عسل بقدر ما كان محاولة للعب على حافة الأوهام، فما بينهما مساحة واسعة ترعى فيها الغزلان، لكن المحاولة لم تكن خطيئة بقدر ما كانت اختبارا للنيات ظهر في الخلاصة فشله الطبيعي والبديهي.
من الأساس كان مطلوبا من ميشال عون الطامح الى رئاسة الجمهورية، شروط قاسية، إما أنه ليس مستعدا للرضوخ اليها، وإما أنه غير قادر على تلبيتها، ولعل أبرزها التحالف مع «حزب الله»، وهو مطلب يسحب من «الجنرال» أقوى أوراقه السياسية، لأنه يضعه في عزلة قاسية حتى مع أقرب المقربين اليه، من دون أن يضمن له خصومه السياسيين ولا الكتلة التي تدعي الوسطية.
بدوره لعب الحريري على حبال الوقت، لأن عناصر القرار ليست كلها في يده، داخليا وخارجيا، فضلا عن حسابات الربح والخسارة مع حلفائه السياسيين. لذلك لم يعط الكلمة الفصل للعماد عون، بل أحاله على خصومه المسيحيين للتفاهم معهم، وهو يعرف سلفا أن الجدار عال جدا بين الطرفين.
كان الرهان من الاساس على موقف سعودي يدعم عون لرئاسة الجمهورية. لم يكن القرار لحظة واحدة في متناول الحريري، بل في عهدة الملك عبد الله بن عبد العزيز شخصيا، لكن ما يشهده العراق اليوم يجعل ملف الرئاسة اللبنانية في آخر اهتمامات القوى الاقليمية والدولية، وفي طليعتها السعودية.
أعلن عون انتهاء شهر العسل من خلال مبادرة يعرف سلفا أنها غير قابلة للتسويق لدى الخصوم والحلفاء على السواء. صحيح أن حلفاء «الجنرال» تعاطوا مع هذه المبادرة بشكل خجول لا يرضي «الجنرال» ولا يغضبه، لكنهم في النتيجة لم يسحبوا مفتاح الرئاسة من يده. ما يزال في إمكانه تمديد الفراغ الرئاسي، وفي إمكانه أيضا فتح الباب أمام رئيس توافقي من خارج الاصطفافين الرئيسيين في البلد. لكن الأفق لا يبدو مهيئا حتى الآن لفتح هذا الباب.. والرئاسة على الرف.