هناك مَثل لبناني يعتبر أنّ في النسبة الأكبر من المزاح يكمن الجدّ. وينطبق ذلك على التبرير الذي ألحقَه النائب وليد جنبلاط بهفوة الترحيب بـ»رئيس البلاد» العماد ميشال عون «لكثرةِ ما نحلم به أثناء الليل لنمنعَه من الوصول».
ليس جنبلاط هو القلِق الوحيد من هذا التواصل الغامض بين عون والرئيس سعد الحريري ومعه السعودية وبرضى أميركي. فبعد الزيارتين المتلاحقتين للوزير وائل ابو فاعور إلى المملكة لاستكشاف البُعد الحقيقي للتواصل القائم مع عون، وجدَ الدكتور سمير جعجع نفسَه مضطرّاً للتوجّه إلى المملكة عبر فرنسا.
والسؤال الذي يقضّ مضجع الجميع: هل ستصل الأمور إلى حدّ تبنّي ترشيح عون؟
منذ أيام معدودة التقى السفير الاميركي في لبنان ديفيد هيل ببعض أصدقائه اللبنانيين القدامى. وعلى رغم الحذَر الذي بات يلازم أجوبته بعد الكلام الذي راجَ حول موقفه المشجّع لوصول عون الى بعبدا، فإنّ حديثه بقي معبّراً وواضحاً. وهو قال تعليقاً على موقف الحريري إنّ رئيس تيار «المستقبل» لم يقُل إنّه ضد ترشيح عون. ويستدرك هيل قائلاً: «صحيح أنّه لم يقُل إنّه معه، ولكنّه أيضاً لم يقُل إنّه ضدّه».
وحين سُئل السفير الاميركي الخبير في الواقع اللبناني والذي يتولّى إدارة الملف الرئاسي بشيء من التصرّف حول إمكان الخيار الثالث، أجاب: «ليس الآن». وهو ما يعني أنّ الوقت لم يحِن بعد ليرسل الحريري جوابَه الحاسم إلى الرابية، أو أنّ التطوّرات الإقليمية لم تصل بعد إلى مرحلة تسمح بوضع الطبخة الرئاسية على النار المطلوبة لإنضاجها، إضافةً ربّما إلى أنّ العلاقة الناشئة بين «المستقبل» و«التيار» تحتاج الى مزيد من الوقت لتمتينها وتحصينِها، ما يجعلها قادرةً على تحمّل أيّ صدمات ناتجة من القرار الذي سيرسو عليه الملفّ الرئاسي.
فالخطوط المفتوحة بنشاط بين الحريري وعون من خلال نادر الحريري والدكتور غطاس خوري أنعشَت الآمال لدى الطرفين. عون الذي شعر بأنّ موقعه بات أكثر أهمّية وبالتالي يعِد بمردودٍ أكبر مستقبلاً، والحريري الذي لا يُخفي أمام سائليه أنّ عون حقّق له الكثير، وبكلفةٍ أقلّ ممّا كان يحصل معه سابقاً. فهو بات يستطيع ترتيب ملفّات حسّاسة بلا الدخول في مزيد من «التطبيع» مع الفريق الشيعي، ما يُجنّبه إحراج القاعدة الشعبية ويُبقي العلاقة مع «حزب الله» ضمن الحدود الباردة المطلوبة.
في اختصار، يرى الحريري أنّ علاقة سياسية جيّدة مع عون تبدو مفيدة له مستقبلاً في إطار الخريطة السياسية التي ستنشأ مع العهد الرئاسي الجديد. لكنّ هذا لا يعني بالضرورة إلزامية تبنّي عون رئاسياً.
وتروي مصادر ديبلوماسية أوروبّية مهتمة بالملف الرئاسي أنّها سمعَت من الحريري تمسّكه بعلاقة جيّدة مع «التيار الوطني الحر» مستقبلاً، وأنّه ردّد أمام ديبلوماسيّين أوروبّيين أنّه في حال صحّت المعلومات حول ضمان عون للغالبية النيابية التي تخوّله الفوز فإنّ كتلته ستؤمّن النصاب، إلّا أنّ نوّابه لن يقترعوا لمصلحة عون، وإنّه أبلغَ قرارَه إلى السعودية.
وتعتقد هذه الأوساط أنّ الحريري قد يتأخّر ليبلغ الى عون موقفَه سعياً لتطوير التواصل معه وفي انتظار التطوّرات الإقليمية، التي يتصدّرها لقاء وزيري خارجية السعودية وإيران.
وفي وقت تعتقد الاوساط الديبلوماسية نفسها أنّ انتخاب رئيس جديد سيحصل قبل أيلول المقبل، تشير الى التطوّر المستمرّ في العلاقة بين إيران والدول الغربية، حيث سيزور مسؤول فرنسيّ بارز طهران خلال أيام في تأكيدٍ للمناخ الإيجابي الذي يسود المفاوضات الاميركية ـ الايرانية، ما يعني أنّ من غير المنطقي أن يخالف المناخ اللبناني الأجواء في المنطقة.
لكنّ الأهمّ هو لقاء القمّة الذي سيجمع الرئيسين الاميركي والفرنسي في ذكرى إنزال قوات الحلفاء على شاطئ النورماندي. وحسب المعلومات فإنّ الملف اللبناني لن يكون غائباً عنه، ولو من باب المشهد الإقليمي الجديد.