الرابية لم تتجاوز التمديد لقائد الجيش
عون.. ومعركة إزاحة قهوجي المستحيلة
في 23 أيلول 2015 تنتهي ولاية قائد الجيش العماد جان قهوجي الممدّد له بقرار اداري من وزير الدفاع السابق فايز غصن، كما لرئيس الأركان اللواء وليد سلمان الذي مدّد له حتى 7 آب من العام نفسه.
نام ميشال عون قبل سنة، على وسادة التمديد غير القانوني برأيه، لكنه لم ينسَ. يومها كان يدرك أن الخارج، ومن ضمن عدّة الشغل التي فرزتها تطوّرات الميدان السوري وتمدّد الأخطبوط الإرهابي في المنطقة، فرض تمديداً من هذا النوع كان «حزب الله» أول الباصمين عليه والموافقين على حيثياته، ليس فقط لأن العماد قهوجي رجل موثوق، بل لأن مقتضيات الأرض وأساليب مواجهة سيارات الموت والخلايا الإرهابية فرضت استمراره على رأس المؤسسة العسكرية، فيما أصرّ الحزب على قطع الطريق على يوم إضافي واحد لبقاء اللواء أشرف ريفي في المديرية العامة للأمن الداخلي.
يومها أيضاً رفعت الرابية السقوف عالياً مهدّدة بالطعن بالتمديد لقهوجي، وذلك بعد إقرار عون الصريح أنه فوتح بموضوع التمديد منذ العام 2011. في خلال أشهر قليلة خسر «الجنرال» معركتين: إجراء الانتخابات النيابية والوقوف بوجه التمديد لقائد الجيش.
غياب الحكومة القادرة على تعيين قائد جيش جديد في الصيف الفائت، أضعف حجج المواجهة في الرابية التي رأت في التمديد خطأ جسيماً وتلاعباً بالهيكلية والتراتبية.
استفزّه آنذاك ترويج الرئيس سعد الحريري للتمديد لقهوجي بعد أحداث عبرا، معتبراً أنها «لعبة غير نظيفة»، ومتسائلا «منذ متى أصبح يحبّ الجيش، فيما جميع نوابه يشتمون الجيش؟ هل حلّ عليه الروح القدس؟».
لم يطعن عون بالتمديد. بلع الموسى واستعد لجولة جديدة، وسط إشادات دولية وعالمية، لم تتوقف منذ اندلاع الازمة السورية، بمناعة الجيش وإنجازاته وتصويره بمثابة المؤسسة الوحيدة الواقفة على قدميها والجامعة لكل اللبنانيين.
في نيسان الفائت، وبعد نحو أسبوعين من تأليف حكومة تمام سلام وقبل أقل من شهرين على نهاية ولاية ميشال سليمان، فاتح ميشال عون رئيس الجمهورية بضرورة طرح بند تعيين قائد جيش جديد.
رفض سليمان لأن كل عهد يأتي و«عدّته» معه، وثانياً لأن لا شيء ممكن أن يقوده الى تلبية طلب «جنرال» حاربه بشراسة.
كانت المرة الاولى التي يبادر فيها الجانب العوني الى طرح بند ملء الشواغر في المجلس العسكري. لم يكن المقصود فقط تعيين بدلاء عن الأعضاء الثلاثة (الشيعي والأرثوذكسي والكاثوليكي) بل إنهاء الوضعين غير القانونيّين، من وجهة نظر عون، لكل من قائد الجيش الممدّد له (الذي يرأس المجلس العسكري وبالتالي هو من أعضائه الستة) ورئيس الأركان (درزي من حصة وليد جنبلاط).
لم يلق عون آنذاك أي تجاوب من جانب رئيس الجمهورية، والحجّة حاضرة: الوضع الأمني الحسّاس يفترض عدم فتح ملف تعيين قائد الجيش. أما تعيين أعضاء المجلس الثلاثة، فقد انتظر سليمان حتى الأسبوع الفائت لطرح البند على جدول أعمال مجلس الوزراء في الجلسة ما قبل الأخيرة من انتهاء عهده. هنا «الفيتو» العوني كان مدوّياً.
يصرّ عون على عدم السير بتعيينات المجلس العسكري إلا بالتساوي مع تعيين قائد جيش جديد، ومرشّحه الأوحد هو قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز. الانطباعات عن «بروفيله» العسكري أكثر من جيدة لدى شريحة كبيرة من مسيحيي «14 آذار»، وفي «تيار المستقبل» الذي باتت قياداته مؤخراً تقدّم شهادات حسن سلوك بكفاءته.
إذاً عون المتمسّك بلا قانونية التمديد لقهوجي، تماما كما موقفه من التمديد لمجلس النواب، يرفض أن يشارك في عملية تعيين جزئية للمجلس العسكري تستثني قائد الجيش ورئيس الاركان، مع التسليم بقانونية العضو السنّي اللواء محمد خير الذي عيّن وفقاً للأصول في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء التي سبقت استقالة الرئيس نجيب ميقاتي.
وفيما يرى البعض ان حركة عون تهدف من جهة الى حرق ورقة قهوجي في السباق الى الرئاسة، ومن جهة أخرى الى تكريس سابقة في الإتيان بقائد جيش قبل انتخاب رئيس الجمهورية، الا أن المواكبين للقراءة العونية يجزمون بأن لا موانع تحول دون تعيين قائد جيش جديد قبل الانتخابات الرئاسية.
هم يشيرون الى أن أي تأخير في موضوع انتخاب رئيس الجمهورية سيؤثر سلباً على هذا الموضوع، فهناك مجلس نواب ممدّد له حتى تشرين الثاني من العام الحالي، ويوجد قائد جيش ممدّد له بقرار إداري يستطيع الوزير المعني أن يلغيه بشحطة قلم، لذلك لا بدّ من كسر هذه الحلقة المفرغة، عبر تحصين القيادة العسكرية أولاً التي تواجه استحقاقات مفصلية.
ووفق هؤلاء، فإن تعيين قائد الجيش يجب أن لا يربط بملف الرئاسة كما كان قبل الطائف، فهناك اليوم حكومة تجتمع تحت سقفها القوى السياسية كافة والقرار السياسي بيدها وقيادة الجيش تخضع لتوجيهاتها، فيما سيكون قائد الجيش الجديد هو المعني بتعيين مدير المخابرات ورئيس الغرفة العسكرية، إضافة الى توقيع وزير الدفاع. أما في حال انتخاب الرئيس قبل انتهاء المهلة الدستورية، أو بعدها بمهلة قصيرة، فلا مشكلة.
وإذا كان ميشال عون اليوم من أول الناقمين على رؤية قائد جيش «يشتغل للرئاسة»، وفق أوساطه، فإن المعلومات تفيد بأن تعيينات المجلس العسكري جُمّدت حتى إشعار آخر.
في الممارسة لا أزمة، اذ جرى تفويض صلاحيات المجلس العاجز عن الالتئام الى قائد الجيش، أما في السياسة.. فأمر آخر. يقول خصوم «الجنرال» إن معركة عون للإتيان بقائد جيش قبل رئيس الجمهورية «هي معركة أخرى خاسرة. وسوف يتعيّن عليه الانتظار إما لانتخاب رئيس جديد أو حتى ايلول 2015».
هؤلاء يرسمون علامات استفهام أيضاً حول المدى الذي سيذهب اليه الرئيس نبيه بري و«حزب الله» في دعم مشروع عون لتغيير قائد الجيش الآن، على ضوء «مخزونيهما» من الانسجام والتعاون والتنسيق مع قهوجي، ويشيرون الى المعطى السوري وإفرازات الأزمة التي أبقت الخطوط مفتوحة بين اليرزة ودمشق على خط ملاحقة المجموعات الإرهابية.