يقول الوزير جبران باسيل لمحاوريه في تيار «المستقبل»، في الحوار الممتدّ حتى شهر آب وما بعد بعد آب: نحن جاهزون للذهاب إلى انتخابات بقانون الستّين، ومتأكّدون من أنّ شعبيتنا عند المسيحيّين لا تزال كما هي، ونتوقّع أن ننال 25 نائباً (بتراجع نائبَين فقط عن نتائج 2009).
لم يُصَب تيار «المستقبل» بالذهول جرّاء هذه التوقّعات، ولم يفاجَأ بقبول العماد ميشال عون الانتخابات على أساس قانون الستّين. فالجنرال الذي بات يعمل وفق نظرية «كلّو في حُبّ قصر بعبدا يهون»، مستعدّ من الآن وحتى شهر آب المقبل على أبعد تقدير، أن يقدّم إلى الرئيس سعد الحريري الغالي والنفيس، لكي ينال موافقته على انتخابه رئيساً.
قد تكون موافقة عون على قانون الستّين «وبلا سيرة الأرثوذكسي»، إحدى هداياه إلى تيّار «المستقبل»، وقد تكون أيضاً اعتقاداً عونيّاً بحتمية تحقيق انتصار، يعيد تكريس عون كأقوى زعيم تمثيلي عند المسيحيّين. وبهذه الحسابات التي تعني خسارة نائبَين فقط، سيستطيع عون من وجهة نظره تأكيد نتائج انتخابات 2009، وأن يقول للجميع: هذه ثالث انتخابات منذ العام 2005 أفوز بها، فلا يشكّكَنَّ أحد بعد اليوم بأنّني الزعيم الأقوى مسيحيّاً، والأحقّ بالرئاسة الأولى.
وبصرفِ النظر عن صحّة النتائج التي يرسمها السيناريو العوني، فإنّ خطة الجنرال منطقية في المبدأ. الذهاب إلى الانتخابات في ظلّ أزمة الفراغ خَيار صحيح، لكنّ السؤال: مَن يضمن أن يلتزم عون نتائج هذه الانتخابات، مهما كانت، وأن لا يرتدّ إلى «حزب الله» ليعطّل هذه النتائج وفق قاعدة: إذا ربحنا نستلم السلطة، وإذا خسرنا هناك مَن هو جاهز لارتكاب 7 أيّار ليعيدنا إلى السلطة.
هذا السيناريو العوني قد يؤدّي إلى إجراء الانتخابات. فقوى «14 آذار» لن تسير في التمديد للمجلس النيابي، وهي تعتقد، بناءً على استطلاعات الرأي الحديثة، أنّها قادرة على تقليص كتلة عون، إذا ما تمَّ إعداد معركة سياسية معه، من دون الانزلاق إلى منازلات محلّية، خصوصاً في الأقضية المسيحية الصافية ككسروان والمتن.
على وقع هذه القراءات تقترب الانتخابات النيابية الثالثة منذ العام 2005، وسط ضباب جزئيّ في صورة التحالفات. قرَّر عون استمرار علاقة الهوى مع تيار «المستقبل» الذي لا يمانع تصديق وعود الجنرال باستمرار الهدوء، داخل الحكومة واستمرار التعاون في ملفّات كثيرة.
هناك في «المستقبل» مَن يُشكّك في نيّات الجنرال، وفي قدرة أيّ كان على إلزامه بتعهّداته. جاء كلام الجنرال الدقيق الذي نشرَته «الجمهورية» ليؤكّد هذه الهواجس، واعترفَ «مستقبليّون» يحاورون الجنرال بأنّ ما أوردَته «الجمهورية» عن كلام عون دقيقٌ، لكن لا يستدعي وقفَ التواصل معه، طالما إنّه لم يبدأ «التخريب» داخل الحكومة. أداءُ عون داخل الحكومة أصبح مقياساً لعلاقته مع «المستقبل»، فإذا عطّل عملها، يكون قد يئس من موافقة «المستقبل» عليه رئيساً، والواضح أنّه لن يعطل لأنّه ينتظر تكريس نفسه في الانتخابات المقبلة على أنّه المسيحي الأكثر تمثيلاً. من الآن وإلى شهر آب، لن يكون هناك رئيس، لأنّ معادلة عون أو الفوضى التي كرَّسها «حزب الله»، ستستمرّ، حتّى يُقرّر الحزب خربَطة هذه الهندسة بالفوضى، عندها يكون الحزب ومَن وراءَه قد انتقل إلى مرحلة اختيار اسمٍ آخر، على غرار ما حصل في الدوحة عام 2008. لهذا بدأ الكلام الجدّي عن الانتخابات والترشيحات والتحالفات، والعين مصوّبة إلى الأقضية المسيحية الحسّاسة، وخصوصاً كسروان والمتن، حيث يفترض أن تكون نتائج المعركة هناك، مقياساً للتعامل مع المعركة الرئاسية المعطّلة حتى إشعار آخر.