IMLebanon

عون يعدل خطته الرئاسية: تغيير موازين القوى النيابية

«هدية» عون للمستقبل انتخابات على أساس قانون الستين

لم يطو بعد ملف الشغور الرئاسي حتى فتح ملف الانتخابات النيابية، قبل نحو ستة اشهر من موعد انتهاء ولاية المجلس الممدد له، لكن من يرغب اليوم في تغيير موازين القوى داخل المجلس؟

لم تكد تمضي على الشغور الرئاسي ساعات قليلة، حتى فتح رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ملف قانون الانتخاب والمطالبة باجراء الانتخابات النيابية ولو على اساس قانون الستين. بدوره طالب رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع باجراء الانتخابات النيابية، رافضا التمديد للمجلس، لتبدأ بعدهما سلسلة مواقف لا تنتهي من ضرورة اجراء الاستحقاق النيابي قبل موعد انتهاء ولاية المجلس الممددة في 20 تشرين الثاني عام 2014.

لا يختلف اثنان على ان التمديد للمجلس عمل غير دستوري، لكن المتطلبات التي املت التمديد لمجلس النواب لم تتغير كثيرا، لا في ظروفها ولا في تداعياتها، حتى يمكن القول ان الانتخابات النيابية على الابواب، فضلا عن ان الشغور الرئاسي اضاف الى هذه المتطلبات عنصرا رئيسيا، يتقدم على ما عداه، لكن بدلا من التمسك بضرورة التعجيل باجراء الانتخابات الرئاسية، جاء هروب عون الى الامام نحو معركة نيابية لها غايات محددة.

سبق لرئيس تكتل التغيير والاصلاح ان عبّر عن رأيه في التمديد للمجلس، وهو قدم والرئيس السابق ميشال سليمان الطعن لدى المجلس الدستوري، الذي ذهب ضحية هذا التمديد. وجاء كلامه الاخير عن اعادة تكوين السلطة بمثابة وضع الاصبع على الجرح في التعاطي مع مسألة بهذه الاهمية، باعادة تصويب النظر نحو قانون الانتخاب واجراء الانتخابات النيابية كمدخل الى تكوين السلطة.

حتى الان تبدوطبخة الانتخاباتالنيابية محلية بحتةفي انتظار ما يتقرّر في العواصم المعنية

لكن بقدر ما تنطلق فكرة عون من مكانها الصحيح، تبدو خاطئة في توقيتها لاسباب موضوعية. فطرح موضوع الانتخابات النيابية اليوم، وهو على قدر من الاهمية، انما يأتي في سياق منفصل تماما عن الواقع السياسي الذي لا يزال مشغولا بالشغور الرئاسي. فبدت دعوة عون المبكرة الى مقاربة الانتخابات النيابية كأنها تحييد عن الهدف الرئيسي، اي اجراء الانتخابات الرئاسية في اسرع وقت ممكن. لان المهلة الباقية امام المجلس النيابي الممدد له تقارب خمسة اشهر، وحتى يحين موعد دعوة الهيئات الانتخابات، بدءا من العشرين من آب، يفترض ان تتكثف الاتصالات الاقليمية والدولية، والعمل على ايصال رئيس للجمهورية وملء الشغور الرئاسي، بدل الانصراف الى اجراء الانتخابات النيابية.

وبرغم ان دعوة عون تحمل في ظاهرها دعوة الى تكوين السلطة ورفض التمديد للمجلس، الا ان باطنها يكمن في الرغبة باعادة تكوين كتلة نيابية لتكتل التغيير والاصلاح اكبر من التي يملكها عون حاليا، تعطيه الحق الصافي بالوصول الى قصر بعبدا. والاهم بحسب اوساط سياسية تغيير موازين القوى في المجلس النيابي، في اعقاب تبدلات اساسية في الساحة السياسية. فـ «هدية» عون للمستقبل في اطار اللقاءات الباريسية هي اجراء انتخابات اليوم وعلى اساس قانون الستين، الذي اجمع المسيحيون على رفضه، لكن يرتاح اليه المستقبل (كما الطرف الشيعي). لان الجميع يعرف انه لا مجال لصدور قانون جديد، ولا سيما بعدما ادخلت بكركي الحالية والقادة الموارنة، المسيحيين والبلد في مأزق المشروع الارثوذكسي. وبين افتتاح البطريرك مار بشارة بطرس الراعي موسم الانتخابات، وتصديق الرئيس نبيه بري محضر جلسة التمديد، لم يبق في الساحة الا قانون الستين وعقم المشاورات السياسية حول اي قانون جديد.

اذاً يرمي عون الى تغيير شكل المجلس، ويرمي في طريقه الى تجييش الشارع المسيحي للتصويب على جعجع بعد تراجع الاخير عن تأييد مشروع اللقاء الارثوذكسي، لابعاده كمرشح لرئاسة الجمهورية، إلا أن جعجع بادر الى الترحيب باجراء الانتخابات النيابية اليوم قبل الغد، لكن ليس على اساس قانون الستين، متجنبا معركة جانبية مع عون حاصرا التصويب الاني على المشروع الاساسي، اي انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وكذلك فان جعجع، وهو امر يتناساه عون او فريقه الانتخابي، مرتاح الى قاعدته المسيحية (والسنية)، وسبق ان بدأ استعدادته للمعركة النيابية، وهو الذي يديرها بنفسه اليوم بطريقة تختلف عن ادارة المعركة تحت «سقف» تيار المستقبل عام 2009.

وبقدر اطمئنان عون الى انه قادر على رفع عدد نوابه، بإبقاء تحالفه الانتخابي مع حزب الله، وبالاخذ من حصة قوى 14 آذار، الا ان عاملا اساسيا يؤخذ في الحسبان هو موقع الطرف الشيعي في المعركة التي يريدها عون، طالما ان حزب الله هو العنصر الاول في ايصال نواب عون في كسروان وجبيل وبعبدا وجزين؟

تتحدث اوساط سياسية عن «مخاطر» اجراء انتخابات نيابية لتغيير معادلات في المجلس الحالي، وهي اكبر من رغبة عون للفوز بالقاعدة المسيحية التي على اساسها بنى نظريته بوصول رئيس للجمهورية يمثل قاعدته المسيحية. ومن هو الطرف السياسي الذي سيتحملها اليوم، واي رئيس كتلة نيابية مهما كبر حجمها يمكن ان يخاطر اليوم بمثل هذا القرار؟ حتى حزب الله والرئيس نبيه بري المتكئان على قاعدة شعبية وكتلة نيابية صافية، هل يمكن ان يكونا في وارد اجراء انتخابات نيابية غير مضمونة النتائج والمتغيرات في المقلب السني او المسيحي؟

وهل يرضى رئيس جبهة النضال النائب وليد جنبلاط، باجراء انتخابات نيابية اليوم (برغم موافقته على قانون الستين)، وهو العارف تماما ان احد الاهداف الاساسية لتحالف الرئيس سعد الحريري ـــ ميشال عون المستجد، التخلص من كتلة جنبلاط الذي يهددهما بأصواتها في اي نقطة مفصلية.

في مقابل تأكيدات اطراف سياسيين ان الانتخابات ستحصل حتما وفق التفاهم الذي جرى بين عون والحريري، وان المطلوب الا ينتخب النواب الحاليون الرئيس العتيد، يطرح سياسيون اسئلة عن الجهة الاقليمية والدولية التي سترعى اليوم انشغال لبنان باجراء انتخابات نيابية في مرحلة الشغور الرئاسي، بدل الانصراف الى انتخاب رئيس جديد.

حتى الان تبدو طبخة الانتخابات النيابية محلية بحتا. في انتظار انكشاف تفاصيل جديدة عما يدور في لقاءات العواصم المعنية حول ما يتقرر للبنان، وليس لقاءات عون والحريري، التي لم تنتج حتى الان الا «نفطا في بحر».