الأخطر في الفراغ الرئاسي هو عدم وجود أفُق زمني لانتخاب رئيس جديد. فقد يستمرّ الفراغ أسابيعَ أو أشهراً… ولا شيء، نظريّاً، يمنع استمرارَه لسنوات. فهل يُحكَم لبنان بالثنائية السُنّية – الشيعية حتى إشعار آخر؟
رفعَ العماد ميشال عون واحداً من شعاراته المثيرة: المثلّث الضامن للميثاقية، المتوازي الأضلاع، هو: أنا ونصرالله والحريري… أو لا أحد. ثمّ سارع إلى تعطيل آخر الجلسات قبل الفراغ الرئاسي. وهكذا أسقطَ الضلع المسيحي من المثلّث، وكرَّس المُثنّى السُنّي – الشيعي.
وفي الأساس، يُثير عون هواجس المثالثة بدل المناصفة في معادلته الجديدة. وربّما لا يدرك ما للتعطيل من عواقب على الوضع المسيحي المهتزّ أساساً، وهذه مصيبةٌ، أو ربّما يدري… فالمصيبة أعظم!
القويّ فعلاً في المثلّث العوني الجديد هو السيّد حسن نصرالله. والقوي نسبيّاً، هو الرئيس سعد الحريري. أمّا عون، فهو يستقوي بنصرالله إذا شاء السيِّد منحَه القوّة، وبالحريري لو أراد انتهاءَ «14 آذار». وكلّ من الافتراضين ليس في محلّه: لا «حزب الله» يدعم عون رئاسيّاً ولا الحريري.
وثمّة أسئلة تُطرَح حول الفراغ: هل يسمح الدستور فعلاً بتعطيل الانتخابات؟ أي، هل يبيح للنائب أن يعترض على الانتخابات بناءً على حساباته، فيعطّلها ويطيِّر الرئاسة؟ وكيف تستقيم روحية الدستور، الذي يقرّ المناصفة والأولوية الميثاقية، إذا غابَ عن «مثلّث» السلطة ممثّل المسيحيّين؟
هناك خللٌ فاضح في تفسير البنود الدستورية، بعد الطائف، كرّسَته سابقةٌ دستوريةٌ في العام 2007، عندما انتهت ولاية الرئيس إميل لحّود، وجرت الاستعانة بالمادة 62 لتتولّى الحكومة يومذاك صلاحيات الرئيس.
يومذاك، فشلَ المجلس في انتخاب رئيس، فجرى اعتماد هذه المادة التي تقول إنّه في حال خُلوّ سدّة الرئاسة، لأيّ علّة كانت، تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء. لكنّ خبراءَ دستوريّين، وبعضُهم نواب شاركوا في الطائف، يؤكّدون عدم إنطباق هذه المادة على الفراغ الناتج عن تخلُّف النواب عمداً عن واجبهم الدستوري في الإنتخاب.
فانتخاب الرئيس ليس اختياريّاً، بل هو واجب إلزاميّ، خصوصاً في الأيام العشرة الأخيرة. فالدستور، بإقراره أنّ المجلس يصبح تلقائيّاً في وضعية الإجتماع الدائم لانتخاب رئيس، أراد حظرَ الفراغ دستورياً والتأكيد أنّ الانتخاب مفروضٌ على النواب.
ويجدر التذكير بأنّ مناقشات الطائف جرَت في ظلّ تجربة الفراغ الرئاسي التي دامت بين 1988 و1990، وتخلّلتها أحداث دمَوية خطرة، كان عون نفسُه أساساً فيها. ولذلك، فإنّ ما ورد في المادة 62، لم يقصد الفراغ الناتج عن الإفشال المتعمَّد للانتخابات، بل عن حال قاهرة. ووفقاً للوزير السابق إدمون رزق، إنّ خُلوّ الرئاسة المقصود هنا هو الناتج مثلاً عن الوفاة المفاجئة للرئيس أو حال الحرب أو ما شابَه، وليس عن خطّة متعمَّدة للتعطيل، بناءً على حسابات سياسية.
وسواءٌ أكان الفراغ لأسابيع أو لأشهر، فالبلد سيُدار في شكلٍ مخالف للميثاق، أي بالثنائية السُنّية – الشيعية، وهذا ما يُقلق بكركي والعديدَ من الأوساط المسيحية. وفي المقدار عينه، سيكون الأمر خطراً على الميثاق، لو ارتكزَ لبنان مثلاً إلى ثنائية مسيحيّة – سُنّية أو مسيحية – شيعية.
ولن يتمّ الإفراج عن الموقع المسيحي في السلطة إلّا بالتوافق الإقليمي بين السعودية وإيران، أي بين السنّة والشيعة. فكيف يكون رئيس الجمهورية ميثاقياً، وكيف يعبِّر عن الشريك المسيحي اللبناني، إذا كان اختيارُه يتمّ بالتفاهم بين السعودية وإيران؟ وما مسؤوليّة عون في ذلك؟ وكيف ينادي بلبنَنة الإستحقاق، وهو الذي افتتحَ الخطوط السرّية والعَلنية بين بيروت وباريس والرياض وطهران، بقيادة السفراء والقناصل؟
يقول أحد النوّاب في مرارةٍ ساخرة: ما دام السفراء والقناصل والملوك والرؤساء هم الذين يختارون للبنان رئيسَه في شكلٍ غير مباشَر، فلم يبقَ إلّا أن ينقل واحدٌ من هؤلاء مقرَّه إلى بعبدا… ويؤدّي القسَمَ الدستوري!