تتوجَّس مراجع سياسية وديبلوماسية من الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، ليس خوفاً على الموقع المسيحي والماروني الأول في البلاد والوحيد في المنطقة، فهو باقٍ ولن يشغله أحدٌ من الطوائف الأخرى، لكنّ السيناريوهات المتوقّعة تعكس القلقَ من طريقة إدارة الدولة والمؤسسات في المرحلة المقبلة. فما هو الدافع الى هذه القراءة السلبيّة؟
لا يُخفي أيّ من المراقبين قلقه من حجم التردّدات السلبية المتوقعة بعد اكتشاف ما كان يُدبّر في السر على هامش «المواجهة الوهميّة» بين «8 و14 آذار» على خلفيات أحلافهما الإقليمية والدولية، التي انتهت بالتضحية بترشيحهما سمير جعجع وميشال عون على طريقة المثل القائل «اكلت يوم اكل الثور الأبيض»، قبل أن تنسحب عملية الإبعاد على الأقطاب الأربعة الذين منّنوا النفس في «تفاهم بكركي» بأنّ عليهم العمل ليكون واحد منهم سيداً للقصر خلفاً للعماد ميشال سليمان «قبل القيام بأيّ عملٍ آخر».
منذ إفتتاح جلسات مجلس النواب في 23 نيسان الماضي، كشف بعض النواب عن نيته مقاربة الإستحقاق باستخفاف. وتجلّى ذلك في الأوراق البيض في مواجهة تبنّي «14 اذار» ترشيح جعجع، وإستخدام «وُريقات الشهداء» وضحايا الحرب، ما أدّى الى توجيه الضربة الأولى الى «تفاهم بكركي» بإنكار حقّ جعجع في الترشيح ومحاذرة عون مواجهته على خلفية أنه «مرشح توافقي»، تاركاً الحبل على غاربه لنوابه للتصويت بالأوراق البيض والسود بعدما جاهر أحدهم بانتخابه جيهان طوني فرنجية.
وعون الذي شارك بشكلٍ من الأشكال في خوض غمار إبعاد جعجع، كان يراهن على ما قطعته مفاوضاته مع الرئيس سعد الحريري في باريس ليضمّ أصواته الى سلّته الإنتخابية، في موازاة إطمئنان جعجع إلى توجهات «المستقبل» في خوض غمار الإنتخابات الى جانبه حتى النهاية أو على الأقل الى حين إبعاد عون عن مسرح الترشيح. ويضيف العارفون: «كانت المعادلة على هذا الشكل قبل أن يعلن جعجع استعداده التنازل عن ترشيحه لصالح احد أقطاب «14 آذار» في مواجهة ما بدأ يتسرّب عن تراجع حلفاء عون عن اعتباره مرشحاً أوحد لـ»8 آذار»، بعدما أكدت مجموعات سياسية وحزبية في هذه القوى سراً وعلناً ضرورة البحث عن رئيس توافقي يحظى بالنصاب الدستوري بثلثي اعضاء المجلس. وهو أمر فُسِّر بوجهيه كإشارة أولى على إبعادٍ لعون وجعجع في آن».
لكنّ عون وجعجع لم يقتنعا باكراً بأنّ سباقهما الى قصر بعبدا سينتهي عاجلاً او آجلاً على حسابهما أولاً، حتى انتهت لقاءات باريس الى ما انتهت إليه، ووضعت حصيلتها وما حملته من مفاجآت، عون وجعجع في موقع المخدوع مهما صرف البعض النظر عن حقائق الأمور بعيداً من الرغبات والأمنيات التي كانت تدغدغ عواطفهما.
وعليه، يعترف كثر بأنّ هذه الحقائق ستترك تداعياتِها على أكثر من مستوى، مهما تغاضى البعض عما يدور في الكواليس، فهناك مَن يحاول تغليف الأزمات التي تعيشها «8 و14 آذار» في آن، وهو أمرٌ يُهدّد في حال بات مكشوفاً، بفتحِ آفاق المرحلة المقبلة على سيناريوهات سلبية بمجرد إهتزاز التحالفات على الضفتين، ما لم تنتج الحركة القائمة مرشحين جدداً لخوض مغامرة السباق الى قصر بعبدا لتقصير هذه المرحلة السلبية.
لذلك، تؤكد المعلومات المتبادَلة على اعلى المستويات أنّ الوقت الفاصل عن نهاية الولاية لم يعد يتَّسع لإنجازات كثيرة للخروج من النفق وإبعاد شبح الفراغ عن قصر بعبدا، فالشغور سيقع ومن بعده مرحلة جديدة مفتوحة على المجهول وإن كان بعض العناوين والتوجهات يَشي بكلّ ما هو سلبي.
والى الضحايا المعلَن عنهم حتى اليوم، ستكون الحكومة السلامية أولى المؤسسات المستهدَفة في وحدتها وإنتاجيّتها على قاعدة أنّ «التاريخ يعيد نفسه»: فإذا كان بإمكان جعجع استيعاب ما حصل بإبعاد عون، كيف سيستوعب عون هذه الصدمة وهل سيكون أمامه سوى حكومة سلام التي تستعدّ لتولّي مسؤوليات الرئيس، لفش الخلق؟