IMLebanon

غزة: المقاومة «تشلّ» إسرائيل

«كورنيت» بالمرصاد والموانئ والمطارات مهدّدة

غزة: المقاومة «تشلّ» إسرائيل

حلمي موسى

وتصل حرب «الجرف الصامد» الإسرائيلية ضد قطاع غزة يومها الخامس في الذكرى السنوية الثامنة لعدوان تموز على لبنان، لتظهر ليس فقط أن العدو واحد بل أيضا أن أهدافه ورغبته في تطويع إرادتنا لم تتغير.

وكما كان في حرب تموز حين شلت المقاومة اللبنانية شمال فلسطين وهددت بقصف مركزه، شلت المقاومة الفلسطينية بصواريخها مركز إسرائيل وشماله وجنوبه. وفيما تتردد خطوات إسرائيل تجاه العملية البرية التي يحسبون أنها ستكسر التعادل الحالي، هددت المقاومة الفلسطينية بالتركيز على استهداف الموانئ البحرية ومطار اللد بعدما أوقفت الطيران في مطار تل أبيب. وتتسارع الخطوات الدولية لإيجاد حل ديبلوماسي للموقف، بعدما لم تفلح إسرائيل في إنجاز مهمة «تحقيق الهدوء» بالقوة العسكرية.

وطوال يوم أمس لم تنقطع صافرات الإنذار في كل المدن والمستوطنات الإسرائيلية. وقد تلقت تل أبيب ومحيطها أمس كماً وافراً من الصواريخ التي بلغ عددها على جميع المناطق حوالي 200 صاروخ من كل الطرازات. وكانت الطائرات والبوارج والمدفعية الإسرائيلية تدك طوال الوقت ما تعتبره أهدافا لها، وخصوصا بيوت من تسميهم قادة سرايا وألوية «كتائب القسام» و«سرايا القدس» ومنظمات المقاومة الأخرى واستهداف أهاليهم.

ويشهد الاقتصاد الإسرائيلي حالة تذمر عالية بسبب آثار الشلل الذي أصاب العديد من القطاعات، بعد دخول معظم مدن ومستوطنات إسرائيل في دائرة النيران واستهدافها بالصواريخ. وشهد قطاع السياحة الداخلية والخارجية وقطاع الرحلات الجوية أضراراً بالغة، خصوصاً بعد استهداف مطارات، بينها بن غوريون قرب تل أبيب، وبعد تحذير «كتائب القسام» للشركات الدولية من الهبوط في المطارات الإسرائيلية. وأصيب عشرة إسرائيليين في الأيام الأخيرة، جروح اثنين منهم بالغة.

وقد بدا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في أول مؤتمر صحافي يعقده منذ بدء العدوان، مركزاً على نقطة واحدة: تحقيق الهدوء، من دون الإصرار على ربط ذلك بأية وسائل محددة.

وقد رفض نتنياهو الإجابة عن أية أسئلة تتعلق بالعملية البرية، مؤكدا أن «كل الخيارات مفتوحة» وأن «الحرب العسكرية ستتواصل إلى أن نتأكد من عودة الهدوء إلى مواطني إسرائيل». وترك العنان لنفسه ليشير إلى أن ما يجري الآن كبير بكل المقاييس، وإلى أن الغارات الجوية استهدفت أكثر من ألف موضع، وأن الحبل على الجرار.

وتباهى نتنياهو بأن كمية الغارات هذه المرة ضعف ما كان في عملية «عمود السحاب» قبل عام ونصف العام، مهددا بأن «أهداف الإرهاب غير حصينة في قطاع غزة، لكن ينبغي الإشارة إلى أن رؤساء حماس، قادة حماس ونشطاء حماس يستترون خلف سكان غزة، وهم المسؤولون عن كل إصابة تلحق بهم».

ويشكل هذا التهديد أيضا نوعاً من التبرير للضحايا الكثر في صفوف المدنيين، من نساء وأطفال، والذين يتزايدون باستمرار، حيث ارتفع عدد الشهداء إلى حوالي 110 أشخاص، والجرحى إلى أكثر من 700، كما أنها تشكل تبريرا للتهديد الذي يطلقه قادة الجيش الإسرائيلي، عبر المراسلين العسكريين، من قرب استهداف المستشفيات أو جوارها، والأبراج السكنية أو جوارها، حيث يدّعون أنها تحوي أنفاقا تستخدمها قيادات «حماس» و«الجهاد الإسلامي». وواضح أن هذا التهديد يقصد به أيضا تبرير الخيبة التي يشعر بها كثير من الإسرائيليين جراء العجز عن إيقاف الصواريخ التي تنطلق بوتائر متزايدة بلغت 200 صاروخ في اليوم، وبمدى طال حيفا شمالا وعراد جنوبا. وتشوش هذه الصواريخ فعليا على روتين حياة ما لا يقل عن خمسة ملايين إسرائيلي.

وتحت هذا الضغط الذي تزايد جراء ضعف قدرة منظومة «القبة الحديدية» عن التصدي لكمّ الصواريخ المنطلق من غزة يجري الحديث بتزايد عن العملية البرية. لكن بسبب أن العملية البرية بالغة التكلفة، وليست مضمونة النتائج وتنطوي على مخاطر تورط كبير غير مرغوب فيه، فإن الجيش الإسرائيلي يبدد انتباه الإسرائيليين بأشياء، بينها استعراض عمليات الحشد من ناحية والاستناد إلى انتقادات عربية، خصوصا من مذيعين مصريين لـ«حماس» من ناحية أخرى. وبين هذا وذاك جرى نشر بطارية صواريخ «القبة الحديدية» على عجل في منطقة السهل الساحلي على أمل إعطاء إحساس أكبر بالأمان.

وإذا كان نتنياهو قد تهرب من الإجابة عن العملية البرية التي كثر الحديث عنها، فإن رئيس الأركان الجنرال بني غانتس أجاب إجابة غير مباشرة. فقد أشار غانتس، في حديث مع جنود إسرائيليين، إلى أن العملية البرية تحتاج إلى قرار من المستوى السياسي، موحياً أنه لم يتخذ بعد. وقال إن «حماس» تفهم أنها أخطأت عندما قررت مهاجمة إسرائيل «فنحن نستخدم كل الوسائل بحوزتنا، ونتذكر أن في غزة مدنيين، حوّلتهم حماس إلى رهائن». وأشار إلى «أننا سنواصل نشاطنا هذا. ونحن في ذروة عملية هجومية وإذا اقتضت الحاجة فسنوسعها». وأضاف ان الجيش الإسرائيلي يستنفد «قوى حماس يومياً، وساعة بعد ساعة، ولن نفصل كل خطوة وأسلوب، وسنواصل الهجوم إلى أن يوقفونا وسنصل إلى حيث يأمرنا المستوى السياسي. فقطاع غزة عليه أن يختار إلى أين يذهب، إلى الهدوء المطلق أم الكارثة الأمنية. وسنستعيد الهدوء بقدر ما يتطلب الأمر، حتى باستخدام القوة أو بسحب القدرات».

وتوحي كلمات غانتس أنه رغم التهديد، ورغم قصر الوقت المتاح، تواصل إسرائيل سياسة إنهاك «حماس» والمقاومة في غزة عبر الضربات الجوية. وليس مستبعداً أن تبدأ إسرائيل باقتحامات برية محدودة في مواقع متفرقة على طول الحدود، فضلا عن تنفيذ عمليات كوماندوس. والمقصود هو التعامل بحذر شديد مع أي تحركات برية داخل غزة بسبب حالة عدم الثقة بالمعلومات الاستخبارية التي تفشت مؤخرا جراء تكرار الأخطاء. فعملية «زيكيم» ونفق كيرم شالوم ونوعية أسلحة المقاومة الصاروخية وكمّيتها، كلها أظهرت فشلا استخباريا إسرائيليا. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان «حتى الآن لا نزال في المرحلة الأولى: الهجمات الجوية. أتوقع أن نقرر غدا أو بعد غد المرحلة المقبلة».

ومن المؤكد أن المقاومة في غزة حاولت يوم أمس أن تذيق إسرائيل بعض ما تحضّره لها، فبادرت هي إلى ضرب مدرعة إسرائيلية بصاروخ مضاد للدروع. وتشكل هذه العملية الأولى التي يُستخدم فيها صاروخ مضاد للدروع منذ بدء حرب «الجرف الصامد». وكانت إسرائيل قد اعترفت باستخدام المقاومة مضادات جوية في أكثر من جهة. وتعرف إسرائيل أن لدى المقاومة تقريباً كل أنواع مضادات الدروع المعروفة، وخصوصا صاروخ «كورنيت»، الذي ترهبه الدبابات الإسرائيلية منذ استخدمته المقاومة اللبنانية في مثل هذه الأيام قبل ثماني سنوات.

والواقع أن جانباً من تردد إسرائيل تجاه المعركة البرية ينبع أيضا من واقع انتشار الأنفاق وخشية الاحتلال منها. لكن هذه الخشية هي ما يدفع بعض القادة الإسرائيليين للقول بالتركيز على المناطق المحاذية للحدود للتأكد من خلوّها من الأنفاق الهجومية الممتدة نحو إسرائيل. وسبق لإسرائيل أن اكتشفت عدة أنفاق كهذه، تمتد على مدى أكثر من كيلومتر ونصف الكيلومتر، ويمكن استخدامها في عمليات استراتيجية. كما تخشى إسرائيل من إمكانية استخدام أنفاق مجهولة لإيقاع الجيش الإسرائيلي في أشراك، ومحاولة أسر بعض جنوده وإخفائهم.

وفي كل حال فإن نتنياهو، رداً على تصريحات أميركية ضد العملية البرية ومع حل ديبلوماسي يعيد تنفيذ تفاهمات «عمود السحاب» التي تمت برعاية مصرية – أميركية في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، قال «لن يمنعنا أي ضغط دولي من العمل بكل قوتنا ضد منظمة إرهابية تدعو إلى إبادتنا». لكن كلامه لم يغلق الباب أمام محاولات واشنطن للتوصل إلى تفاهم لوقف إطلاق النار.

والواقع أن التحركات الدولية، بحثٍّ أميركي، قد بدأت، وهي تقريبا في سباق مع العملية البرية التي تهدد إسرائيل بشنها. ويبدو أن واشنطن تضغط على دول مثل مصر وتركيا للتحرك باتجاه العمل على إعادة الطرفين إلى تفاهمات «عمود السحاب» من دون استبعاد احتمال اتخاذ قرار دولي في مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار.

وأبدت واشنطن استعدادها لاستخدام علاقاتها في الشرق الأوسط في محاولة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ايرنست «ثمة عدد من العلاقات التي تربطنا في المنطقة، والتي نرغب في استخدامها في محاولة للتوصل إلى إنهاء إطلاق الصواريخ من غزة ومن لبنان كما شاهدنا هذا الصباح (امس)».

وأضاف ايرنست «نحن مستعدون لاتخاذ إجراءات مماثلة لتلك التي اتخذناها قبل نحو عام ونصف عام، في تشرين الثاني العام 2012، لتسهيل وقف لإطلاق النار ومحاولة التوصل إلى نزع فتيل التوتر»، لكنه كرر «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في مواجهة إطلاق الصواريخ»، مطالبا جميع الأطراف بحماية المدنيين.

وذكر البنتاغون، في بيان، أن وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل اتصل بنظيره الإسرائيلي موشي يعلون مؤكدا حق إسرائيل في «الدفاع عن نفسها»، لكنه أعرب عن «قلقه من مخاطر التصعيد، مشددا على حاجة كل الأطراف للقيام بكل ما يمكن من أجل حماية المدنيين وعودة الهدوء».