IMLebanon

غزة بين «داعش» ونتانياهو

كان متوقعاً أن تستفيد الاندفاعة الإسرائيلية الجديدة ضد قطاع غزة من موجات العنف التي تجتاح المنطقة، فيعمل جنون التطرف المتنامي في المجتمع الإسرائيلي على استغلال الفوضى التي تمعن في انحلال الدولة في كل من سورية والعراق واليمن وتهدد أمن دول الخليج بالإرهاب وتجعل لبنان في دائرة الخطر لولا حاجة المتناحرين على المنطقة إلى حفظ الحد الأدنى من التهدئة فيه لمقتضيات المعارك التي يخوضونها في كل مكان آخر.

ولم يكن انشغال مصر بمشاكلها الداخلية الهائلة بعيداً من حسابات هذا الجنون الإسرائيلي المتمادي، ليضيفه إلى الضعف العربي الذي يتيح لبنيامين نتانياهو أن يفلت الآلة العسكرية من عقالها لبناء وقائع جديدة في موازين القوى بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية، تبعد إمكان تجديد التفاوض على التسوية السلمية سنوات جديدة.

فالحاكم الإسرائيلي يتطلع إلى الخريطة العربية مبتهجاً لما أصابها من تفكك وانهيار في السنتين الماضيتين. وهو لم يعد قلقاً حتى من التفاوض الأميركي -الإيراني الذي افتعل الذعر منه، قبل أكثر من عام، لهدف وحيد هو فرملة المطالبة الأميركية له بالتنازلات في موضوعي الاستيطان والحدود حيال المفاوض الفلسطيني.

منذ المصالحة بين حركتي «فتح» و «حماس» في نيسان (أبريل) الماضي، والحكومة الإسرائيلية تتحيّن الفرصة لإلغاء مفاعيلها التي محضت بعض القوة للمفاوض الفلسطيني، في العلاقة مع المجتمع الدولي من جهة، ومع التصلب الإسرائيلي من جهة أخرى. ولم يكتفِ نتانياهو بمطالبة الرئيس محمود عباس بإلغاء المصالحة شرطاً لاستكمال المفاوضات التي تجمدت بفعل الخلاف على الاستيطان والإفراج عن الأسرى، بل أخذ يلوم باراك أوباما على اعتباره المصالحة «غير مفيدة»، وطالبه بموقف أكثر تشدداً حيالها، على رغم أن «حماس» قدمت تنازلات بقبولها تأليف حكومة من التكنوقراط، كثمرة لهذه المصالحة، تتولى استئناف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي. يرفض نتانياهو المرونة التي أبدتها «حماس» بقبولها تولي الرئيس محمود عباس التفاوض عبر الأميركيين على الدولة الفلسطينية والتي عكسها رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل أول من أمس بالقول إن رئيس الحكومة الإسرائيلية «احتقر» الإدارة الأميركية برفض مطالبها منه في المفاوضات، في معرض إصراره على وقف الأخير عدوانه على القطاع و»تغيير سياساته في الاستيطان».

منذ الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005 بقرار من آرييل شارون وهي تتعرض للمآسي والعدوان، للحؤول دون تمتعها بمنافع اندحار الاحتلال كما يفترض بكل أرض تتحرر من تسلطه. وخاض الإسرائيليون ضدها 4 حروب شرسة لكسر إرادة الشعب الفلسطيني عبرها، وحولوها إلى ميدان للرسائل وساحة لممارسة الصلف والعنصرية والإخضاع ضد الشعب الفلسطيني، وأرضاً للعبث بالنظام العربي والإقليمي، ساهمت فيه إيران منذ الخطأ الذي ارتكبته «حماس» عام 2007 بتحالفها معها واستئثارها بالقطاع وقسمة الشعب الفلسطيني آنذاك. وإذا كانت التطورات والتعقيدات الإقليمية أعادت الروح إلى المصالحة واللحمة إلى الفلسطينيين فإن متطرفي تل أبيب وجدوا في التفتت العربي وفي نماذج الاستبداد التي تنشر الحروب الأهلية، الفرصة السانحة لإعادة إلغاء الشريك الفلسطيني بعد أن استعاد قدراً من الوحدة التي تؤهله للجلوس على الطاولة. هكذا يملأ نتانياهو الدنيا صراخاً بوصم «حماس» بالإرهاب على رغم الواقعية التي اتسم بها سلوكها الأخير. أليست شيطنة المعارضة السورية بهذا الوصف من قبل إيران وبشار الأسد هي التي كانت حجة الإدارة الأميركية من أجل إدارة الظهر لثوار بلاد الشام، مثلما هو اتهام نوري المالكي وطهران تمرد العشائر السنّية في موصل وأنبار… العراق بأنه الإرهاب وفعلة «داعش»؟ لقد وجد نتانياهو ما يعينه على شيطنة «حماس»، في هذه الفوضى التي بات قادة الأنظمة الاستبدادية «خلاقين» في تنظيمها على مستوى الإقليم، لتبرير هجومه على غزة.

يبقى القول إن الحرب القائمة على غزة هي الاختبار الأول الجدي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظامه. هل سيتمكن من أن يفرمل الاندفاعة الإسرائيلية الجديدة التي أسقطت اتفاق الهدنة التي رعتها مصر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 وأنهى آنذاك الحرب على القطاع (في عهد الرئيس محمد مرسي)، والتي تطالب السلطة الفلسطينية بالعودة إليه؟ فما يسميه السيسي عودة مصر إلى العروبة ودورها الإقليمي يصعب أن يبدأ من أي مكان إذا لم يكن بغزة.