هبَّة الضفة تقلق إسرائيل .. ولقاء دولي في باريس اليوم لصياغة تسوية
غزة صامدة: العدو مرتبك أمام الحرب والهدنة
حلمي موسى
تعاظم التوتر يوم أمس على الصعيدين العسكري والسياسي، بعد أن روت دماء الفلسطينيين في الضفة الغربية تراب الوطن، إلى جانب شلال الدم الفلسطيني في غزة في إطار الصراع مع المحتل.
وقد اختلط الفعل العسكري الكثيف بالاتصالات السياسية المكثفة في سبيل التوصل إلى حسم عسكري، أو اتفاق لوقف النار من دون أن تظهر معالم واضحة للوجهة. وقد تجلى هذا المشهد الملتبس بإعلان مصدر أميركي ليلاً أن إسرائيل وافقت على هدنة لمدة 12 ساعة، تبدأ من الساعة السابعة من صباح اليوم السبت، كمبادرة «حسن نية» بحسب وصفه، واعلنت «حماس» موافقتها على هدنة لمدة 12 ساعة تبدأ صباح اليوم.
وقاد العنف الإسرائيلي لقمع الهبَّة الفلسطينية في الضفة إلى سقوط تسعة شهداء حتى الآن في عدة مواضع. ويشهد العنف الذي يمارسه الاحتلال ضد المنتفضين في الضفة على شعوره بالتوتر والخشية من فتح جبهة جديدة تزيد الأمر خطورة من وجهة نظره. ولا يقل أهمية عن ذلك اعتقاده بأن هذه الهبَّة، وترابطها مع صمود غزة في مواجهة الحرب، ستقود إلى ربط سياسي شديد بين الجبهتين في كل محاولة للتوصل إلى تسوية.
وقد أقر العدو أمس بمقتل اثنين من جنوده في المعارك الدائرة شرقي غزة وفي منطقة خانيونس. وقررت إسرائيل اعتبار الأسير شاؤول أورون قتيلاً، وأن مكان دفنه غير معلوم. وقد رفضت عائلة أورون التعليق على ذلك، خصوصاً أن الإعلان عن عدم معرفة مكان دفنه يعني أنه لن تقام له مراسم تشييع أو عزاء.
كما أن قرار اعتبار الأسير شاؤول، الموجود لدى «كتائب القسام»، قتيلاً زاد عديد القتلى من الجنود إلى 35 بين ضابط وجندي وفق الاعترافات الإسرائيلية. وقد أعلنت «كتائب القسام» و«سرايا القدس» و«ألوية الناصر» نجاحها أمس في إسقاط عدد من الجنود الإسرائيليين قتلى.
واستمرت العمليات الإسرائيلية التدميرية والممنهجة في قطاع غزة، وخصوصاً في مناطق خزاعة في جنوب القطاع والشجاعية وبيت حانون في شمالها. لكن المقاومة ردت على هذه العمليات بمزيد من الكمائن والقنص، وضمن منهج الحفاظ على وضعية الاشتباك في كل المواضع تقريباً. كما واصلت الرد بإطلاق الصواريخ على مناطق واسعة داخل الكيان، تبدأ من غلاف غزة وتنتهي قرب نابلس شمالا. وتم الإعلان مراراً عن استهداف مباشر لمطار اللد (بن غوريون) بقصد إقناع شركات الطيران الأجنبية بالاستمرار على موقفها وعدم الخضوع لضغوط الإدارة الأميركية والحكومات الغربية بالعودة إلى استخدام المطارات الإسرائيلية.
ومما لا ريب فيه أن استمرار المعركة حتى اليوم، وبالوتيرة القائمة، وبعد مرور 19 يوماً، شكل مفاجأة شديدة لإسرائيل وقيادتها. فلم يكن أحد في إسرائيل يتوقع أن تواجه الدولة العبرية هذا القدر من المقاومة، وهذا النهج من القتال، ما يزيد الشعور بالورطة التي لا يعرفون منها مخرجاً. وكالأيام السابقة يتضح يوماً بعد يوم أن النهج الوحيد الذي بات يحكم الجيش الإسرائيلي هو الرد بالنار، ونار هائلة، على كل شيء. فعديد الشهداء الفلسطينيين يقترب من 850، فيما عدد الجرحى يناهز ستة آلاف.
وكان المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر قرر رفض الخطة التي أعدها وزير الخارجية الأميركي جون كيري لوقف إطلاق النار يوم الأحد. وقد رأت إسرائيل في المقترح الأميركي أنه أقرب إلى رؤية «حماس» منه إلى رؤيتها. لكن بعض الخبراء يؤمنون بأن المسألة لا ترتبط بطبيعة المقترح بقدر ما ترتبط حقيقة بالأجواء القائمة داخل «الليكود» خصوصاً، واليمين الإسرائيلي عموماً. فهذه القوى تعتبر أن كل وقف لإطلاق النار في الظروف الحالية يعتبر مقتلاً لمكانة الأحزاب اليمينية لدى الجمهور الإسرائيلي.
ومعروف أن قادة «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان و«البيت اليهودي» بزعامة نفتالي بينت، وعدد من قادة «الليكود» أبرزهم الرجل الثاني وزير الداخلية جدعون ساعر، يعارضون وقف العملية في غزة ويريدون توسيعها. وكان ساعر أعلن صراحة أنه «يجب رفض كل اقتراح لوقف النار، ومن الواجب توسيع العملية». وشكلت ضغوط حزبية داخلية عوامل ضغط على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو دفعته لتأجيل اجتماع المجلس الوزاري وقراره أكثر من مرة.
ورغم سعي إسرائيل لوقف النار، إلا أنها لأسباب داخلية آثرت إعلان رفض اقتراح كيري. وبرر المجلس الوزاري المصغر رفضه الأولي للمقترح بمنطق «لا يوقفون الخيول في ذروة عملها» في إشارة إلى أن للجيش الإسرائيلي مهمة لم تكتمل في غزة.
وبعد مداولات مطولة داخل المجلس المصغر، وعلى عدة جلسات عقدت في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب، تم إعلان رفض المقترح. غير أن المداولات التي امتدت بشكل استثنائي إلى ما بعد دخول السبت وانتهاك حرمته، في إشارة إلى أنها تتعلق بقصص حياة أو موت، قادت إلى رفض الوزراء بالإجماع لهذا الاقتراح.
ومن الجائز أن الاتفاق على رفض الاقتراح كان نوعاً من التكتيك على أمل الحصول على شروط أفضل، خصوصاً أن إسرائيل ليست حالياً في موضع من يرفض الجهد الأميركي الهائل لوقف النار وهي بحاجة ماسة للأميركيين. ويتبدى هذا من خلال تأييد وزراء مثل تسيبي ليفني ويائير لبيد وحتى اسحق أهرونوفيتش لقرار الرفض.
ففي المجلس الوزاري يدور صراع شديد بين مدرستين، إحداهما الأشد يمينية ترفض أي حديث عن وقف إطلاق النار وتطالب بتوسيع العملية، وصولا إلى إطاحة سيطرة «حماس» على غزة وإعادة احتلال القطاع. وبالمقابل هناك مدرسة تحذر من استمرار التورط في القطاع، وتطالب بالبحث عن مخرج سياسي مناسب. وهكذا فإن البعض يرى في رفض مقترح كيري محاولة لتجنب التورط في قرار بتوسيع القتال، لكن الضغط من أجل تعديل المقترح وشروطه.
وتعتقد جهات أخرى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما مصمم على تحقيق هدنة إنسانية في فترة عيد الفطر، وأنه قد يطلبها ما يجعل من الصعب على نتنياهو أن يرفضها. وربما أن تركيز إسرائيل على خطر الأنفاق يقع ضمن محاولة الاحتفاظ بهذه المهمة كورقة رابحة عند عرض أي موقف أميركي يطلب الهدنة الإنسانية.
عموماً وبموازاة الجهد الأميركي تجري في الأمم المتحدة وبحثٍّ من السلطة الفلسطينية محاولات لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لوقف النار. وهناك إشارات بأن حركة «حماس» تفضل هذا الخيار الذي ليس مؤكداً أن الولايات المتحدة وإسرائيل تقبلان به. وهناك أفكار لعقد مؤتمر عربي وآخر دولي لإيجاد حلول للمأزق الحالي. وأعلن مصدر ديبلوماسي فرنسي أن باريس ستستضيف اجتماعاً دولياً اليوم لمحاولة الوصول لوقف إطلاق نار في غزة «بأسرع ما يمكن».
وأعلن كيري، في القاهرة، انه سيشارك في مؤتمر باريس حيث سيلتقي نظيريه التركي والقطري، مشيراً الى أنه ما زالت ثمة خلافات بشأن صياغة هدنة غزة، لكنه واثق من نجاح إطار الهدنة في نهاية المطاف.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزير الخارجية المصري سامح شكري إلى هدنة إنسانية لمدة سبعة أيام لمناسبة عيد الفطر، فيما أعلن عضو المكتب السياسي لـ«حماس» عزت الرشق أن الحركة تدرس الاقتراح.
وفي الدوحة، التقى وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل لبحث الهدنة.
وكان عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» موسى أبو مرزوق قد أشار إلى أن الخيارات المطروحة هي إما تعديل المبادرة المصرية أو وقف إسرائيل العدوان من طرف واحد، لكن الأقرب، في نظره، هو قرار من مجلس الأمن الدولي، مشدداً على أن «حماس» تصر على كسر الحصار المفروض على القطاع، ولن تقبل بأقل من ذلك.
وقد أعلن قائد الجبهة الجنوبية الجنرال سامي ترجمان أن قواته ستواصل حتى اللحظة الأخيرة استغلال الوقت لتدمير أكبر عدد ممكن من الأنفاق. ومع ذلك اعترف أن «هناك ساعات أخرى في المنطقة»، وكان يقصد الساعة السياسية التي يديرها أصلا وزير الخارجية الأميركي. وقال إن «حماس» نجحت خلال سنوات في إنشاء «غزة التحتية»، وأن هذا «ليس شعاراً».