IMLebanon

غزة «قضية إنسانية»… وطهران تُعيد حساباتها!

هل نجَحت تل أبيب في تحقيق أهداف حربها التي أتَتها على طبقٍ من فضّة على قطاع غزة؟ طرحُ السؤال بات مُلحّاً، فيما تَشي الأيام المقبلة ببدء ترصيد الأطراف التي ساهمت أو تورَّطت او استفادت من تدميره على يد الآلة العسكرية الإسرائيلية، حساباتها.

تُشير معلومات مُتداوَلة في واشنطن الى أنّ ما بعد عملية «الجرف الصامد» لن يكون كما قبلها. وهناك مَن يتحدّث عن تبدّل في خريطة التوازنات الإقليمية، وأحجام عددٍ من اللاعبين فيها وأدوارهم، فيما الخاسر الأكبر هم الفلسطينيون، بعدما نجح التحالف الإقليمي الجديد في تعميق تهشيم ما كان يُعرف باستقلالية القرار الفلسطيني، والإمعان في إضعاف منظمة التحرير وتمثيليّتها وتبديدها لمصلحة قوى إقليمية تستفيد مما يحدث في غزة.

فحجم الدمار غير المسبوق وتشريد أكثر من 200 الف فلسطيني، سيكون أثره بالغاً على مستقبل العملية السياسية والمصالحة الفلسطينية، ما سيعطّل لسنوات أيّ إمكانية للحديث عن سلام أو عن حقوق مشروعة للشعب الفلسطيني.

هذا ما كشفته مصادر ديبلوماسية عربية وغربية مطلعة في واشنطن، مؤكّدة أنّ الغطاء الدولي للعمل العسكري الإسرائيلي لا يزال ساري المفعول حتى تحقيق كل اهدافه، على رغم الضجيج المُفتعل حول خلاف أميركي ـ إسرائيلي وارتفاع أصوات غربية وأُممية إحتجاجاً على المجازر المرتكبة في غزة.

فالتعايش مع «القضية الفلسطينية» كقضيةٍ إنسانية ممكن، بعدما تدرَّج المطلب من العمل على إعلان وقف إطلاق النار الى الإتفاق على هدنات انسانية يوماً بعد آخر، فيما تُمعن الآلة العسكرية الاسرائيلية في تدميرها المنهجي لمدن القطاع وأحيائه.

وتقول المصادر «إنّ ما حصل أدخَل قضية فلسطين في تعقيدات النزاع الإقليمي والمذهبي بنحو غير مسبوق، في الوقت الذي أمكَن توجيه ضربة سياسية لإيران بعدما تمكَّن محور تركيا – قطر من حصر أوراق «اللعبة» في يده، والتخريب على المبادرة المصرية، فارضاً عليها تعديلات وشيكة تسعى القاهرة بالتنسيق مع قيادة السلطة الفلسطينية الى التقليل من أضرارها الواقعة حتماً».

ويعتبر البعض أنّ ما حدث يُثير شبهات كثيرة حول تنسيق معلَن أو مبطّن بين هذا المحور واسرائيل، في محاولة لتحقيق هدف ربط القضية الفلسطينية بهذا النزاع.

ويرى آخرون في تصريح قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني حول غزة أمس الأول تعبيراً عن الضيق الإيراني، فيما عكس الخطاب الأخير للأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله «ارتباك» محور طهران ممّا يحصل، ليس في غزة فحسب، بل في الإقليم عموماً.

فإيران بدَت في العراق عاجزة عن حسم المرجعية الشيعية المقبولة بعدما نجح السنّة والأكراد في تعيين مَن يُمثّلهم في السلطة الجديدة، في الوقت الذي أخفَقت في استعادة أيّ منطقة من أيدي «دولة الخلافة».

وفي مقياس أهمية هذا البلد بالنسبة اليها مع سوريا، لا مجال للمقارنة بين الأولويات التي تقضّ مضاجعها الواقعة بين سندان العقوبات الدولية وملفها النووي، وسياساتها الإقليمية الأخرى. وثمّة قائل إنّ موقع سوريا سيتراجع عاجلاً أم آجلاً بالنسبة اليها، حين تصبح المعركة على حدودها. هذا ما يُفسّر الكلام العالي النبرة للرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني، عاكساً مخاوف بلاده من خسارة كلّ شيء دفعة واحدة.

وتقول المصادر الديبلوماسية «إنّ عجز طهران عن إقناع الغرب عموماً، وواشنطن خصوصاً بتوكيلها، أو أقلّه بعقد شراكة إقليمية معها في مواجهة «الإرهاب»، وضَع سياساتها امام حائط مسدود، في وقت تتصاعد خسائرها في العراق وسوريا. وها هو خطاب «النصر» يتحوّل تبريرات تعجز عن شرح أسباب انهيار الجبهات العسكرية، من حلب وحماه وإدلب الى دمشق ودرعا والقلمون».

وترى المصادر «أنّ كلّ ما قيل عن معارك استباقية ثبُت عقمها لا بل فشلها، خصوصاً في القلمون، الأمر الذي يفرض على طهران إعادة تقويم سياساتها الإقليمية، خصوصاً أنّ روسيا حليفتها الإقليمية، تبدو عاجزة عن وقف تداعيات الأزمة الأوكرانية مع توالي العقوبات الغربية عليها، في ظلّ معلومات تتحدّث عن نقاش تجريه القيادة الروسية عن جدوى الاستمرار في سياساتها تجاه سوريا والمنطقة».

وتؤكد تلك المصادر «أنّ اللقاء الأخير بين السيد نصرالله والنائب وليد جنبلاط، يعكس قرار إيران بدءَ تحسّس خطوات جديدة تجاه لبنان اولاً والمنطقة عموماً، في ظل خوفها العميق من تفاقم الضرر على «حزب الله»، أحد أبرز وأهمّ حلفائها، بعد تزايد خسائره الميدانية في سوريا، ما قد يؤدي الى مقاربة سياسية جديدة في لبنان».