مئات الضحايا.. ومفاجآت المقاومة صواريخ سورية وإطلاق متعدد للتضليل
غزة لا تركع: العدو يلقي 400 طن متفجرات
حلمي موسى
…وانتهى اليوم الثاني للحرب على قطاع غزة بإدخال كل من ديمونا وحيفا في دائرة النيران، ما فاقم الصدمة في نفوس القيادة والجمهور الإسرائيلي.
فقد أثبتت حركة “حماس” أنها فعلا قادرة على مفاجأة العدو في أكثر من موضع، سياسي وعسكري، على حد سواء. ولم تفلح أكثر من 500 غارة جوية خلال يوم ونصف، فضلا عن القصف المدفعي والبحري، في تشكيل الضغط الذي تطمح إليه إسرائيل لإجبار “حماس” على وقف إطلاق النار من دون شروط.
وبدت المفاجأة كبيرة على الإسرائيليين الذين لم يستوعبوا في اليوم الأول للحرب إطلاق الصواريخ على تل أبيب وأبعد منها، وتنفيذ عمليات كان يمكن أن تشكّل تغييراً إستراتيجياً في كل من قاعدة “زيكيم” البحرية وموقع كيرم شالوم على مثلث الحدود مع مصر. وأعلنت قوات الاحتلال استشهاد مقاومين بينما كانا يحاولان الوصول عبر البحر الى “زيكيم”.
وكانت المفاجأة الكبرى أمس، تعرّف إسرائيل على وجود صواريخ “أم 302” السورية الصنع بالعشرات في ترسانة “حماس”. وبعد أن هزأت من تهديدات الحركة باستهداف حيفا، واعتبرتها مجرد ثرثرات عادت واضطرت للإعلان أن الصواريخ سقطت على شاطئ الكرمل وقيساريا وزخرون يعقوب.
وقبل أن تفلح في ابتلاع المفاجأة تلقت ضربة أخرى بإطلاق سبعة صواريخ من هذا الطراز، الذي يزيد مداه عن 150 كيلومترا، نحو ديمونا حيث يوجد المفاعل النووي. واضطرت إسرائيل لكشف النقاب عن وجود بطاريات “قبة حديدية” تحمي مفاعل ديمونا عندما أعلنت عن اعتراض ثلاثة من صواريخ غزة.
وفي كل الأحوال فإن نطاق النيران من غزة طال بالأمس، عدا ديمونا وحيفا كل مستوطنات غلاف غزة وعسقلان وبئر السبع وأسدود وعميق حيفر، هشارون، السهل الساحلي، بيت شيمش، القدس، والخضيرة. وطلبت الشرطة الإسرائيلية من سكان غالبية المدن والقرى والمستوطنات فتح الملاجئ العامة والاستعداد لتفاقم الأوضاع.
والواقع أن المفاجأة الإسرائيلية لا تنحصر فقط في نوعية الصواريخ وعددها المتوفرة أساسا لدى كل من حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” بل تتعداها إلى نظرية تفعيلها. واضطر عدد من كبار القادة العسكريين الحاليين والسابقين للإقرار بوجود خلل استخباري كبير حيث لم تكن الاستخبارات قد أشارت إلا إلى بضع عشرات من صواريخ “فجر” الإيرانية، والتي يتم تصنيعها في غزة. وقد تبين حالياً أن “حماس”، على الأقل، تملك عشرات الصواريخ من طراز “أم 302″، فضلا عن مئات من صواريخ “فجر” وعشرات الألوف من الصواريخ الأقصر مدى.
وتعتبر “سرايا القدس”، الذراع العسكري لحركة “الجهاد الإسلامي في فلسطين”، القوة العسكرية الثانية في القطاع التي تمتلك أكبر عدد من الصواريخ، خصوصا “فجر”.
ولا يقل أهمية في المفاجأة تعديل نظرية نشر واستخدام الصواريخ. فللمرة الأولى تستخدم “كتائب القسام” و”سرايا القدس” أسلوب الإطلاق المكثف والمتعدد الاتجاهات بهدف تجاوز عقبة “القبة الحديدية”. ومعروف أن بطاريات “القبة الحديدية” المنتشرة في إسرائيل هي سبع، بينها ما نشر على الحدود مع سوريا ولبنان وما نشر قرب إيلات وهناك واحدة قرب الضفة الغربية، ما يجعل هذه البطاريات محدودة جدا في غلاف غزة وشمالها وجنوبها. وقد أطلقت بالأمس سبعة صواريخ مثلا باتجاه ديمونا، تضاربت الأنباء الإسرائيلية حول ما إذا كانت “القبة الحديدية” اعترضت ثلاثة منها أم واحداً فقط. كما شهد أمس الأول، إطلاق أكثر من ثلاثين صاروخاً ومن مناطق مختلفة في القطاع نحو أسدود وبئر السبع وتل أبيب والقدس دفعة واحدة.
ورغم شدة الغارات واستخدام أسلوب “الإصبع الرخو” على الزناد في العدوان الذي أطلقت عليه إسرائيل اسم “الجرف الصامد”، في كل ما يتعلق ببيوت نشطاء المقاومة حتى لو أدى استهدافها للقضاء على عائلات بكاملها، فإن هدف إسرائيل لم يتحقق. وقد بلغ عدد الشهداء في القطاع حتى مساء أمس، خلال يومي العدوان الأولين، أكثر من 55 شهيداً وأكثر من 500 جريح. وظهر أمس، تفاخر قائد كبير في سلاح الجو الإسرائيلي بأن “الدمار في غزة هو بأحجام أكبر مما كان في عمود السحاب، وأن ما دُمِّر فيها من بيوت خلال يومين أكبر مما دُمِّر في كل عملية عمود السحاب”. وأضاف أن الطائرات ألقت، عبر مئات الغارات على أماكن في القطاع، أكثر من 400 طن متفجرات. وشدد على أن إسرائيل “تضرب بشكل منهجي البنى التحتية لحماس، وأماكن عمل قياداتها”.
فإسرائيل الراغبة في وقف سريع لإطلاق النار وتطمح إلى تجنب الدخول في عملية برية إلى قطاع غزة تريد تشديد الضغط على قيادات “حماس” لإجبارها على تليين موقفها. وقد شنّت حتى مساء أمس، أكثر من 550 غارة جوية على القطاع، وهي تشكّل أكثر من ثلث مجموع الغارات التي شنّتها في حرب “عمود السحاب” قبل عامين.
وتنبع هذه المقاربة من وجهة نظر معلّقين إسرائيليين من حقيقة أن الدولة العبرية تريد توجيه ضربة قوية جدا لـ”حماس”، لكنها تخشى من سقوط الحركة وحلول قوى أشد تطرفا مكانها. وبحسب خبراء إسرائيليين، فإن مقاربة إسرائيل الحالية لم تجد نفعا حتى الآن، وأن “حماس” ليست في وارد طلب وقف إطلاق النار بعد أن شعرت أنها تحقق إنجازات تاريخية. كما أن الضغط العام على قطاع غزة لم يُصدر، على الأقل حتى الآن، أية أصوات فلسطينية تندد بحركة “حماس” ما أبقى الدعاية الحربية الإسرائيلية تسقط على آذان صماء.
فحركة “حماس” اليوم يمكنها أن تعتز بأنها أدخلت غالبية الإسرائيليين في نطاق صواريخها، وأنها بعد أن تشاركت مع “الجهاد الإسلامي” فضل أولوية استهداف تل أبيب، نالت فضل أولوية قصف ديمونا وحيفا من القطاع. كما يمكنها الاعتزاز بأنها، ورغم كل ما قيل عن إفساد السلطة والحكم لها، لا تزال في موقع المقاومة وتسجل فيها نجاحات. ومن المؤكد أنه رغم الحديث عن مشاكل “حماس” المالية والإدارية إلا أن أداء الحركة المقاوم كفيل، على الأقل لفترة قصيرة، بأن يخفف الضغوط الشعبية عنها، بل ويمنحها مزيدا من الاحترام.
وطوال اليومين الأخيرين قضى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه موشي يعلون وقتا طويلا في مشاورات أمنية متعددة مع القيادات العسكرية والأمنية. ولم يجد نتنياهو ويعلون أمامهما ما يقولانه سوى أن القرار اتخذ “بتصعيد الهجمات على حماس والمنظمات الإرهابية في غزة”، في معركة طويلة وتحتاج إلى وقت. ويكرران القول بجاهزية الجيش الإسرائيلي لخوض حرب برية واجتياح القطاع “إذا اقتضى الأمر ذلك”. لكن خبراء إسرائيليين يشيرون إلى أن هذه هي الحرب التي لا يريدها نتنياهو في هذا الوقت، ولذلك فإن توسيعها نحو إعادة احتلال القطاع يعني الوقوع في الشرك. وهذا ما يحاول نتنياهو ويعلون وقيادة الجيش تجنب الوقوع فيه، ويبحثون عن وسيط يحفظ ماء الوجه.
ورغم كل الكلام، لا يبدو أن الوسيط جاهز للعب الدور، سواء كان هذا هو الوسيط التقليدي، مصر، أو الوسيط المستجد تركيا. وهذا يدفع المزيد والمزيد من الساسة الإسرائيليين للإيمان بأن المعركة ستطول لأنه ليست هناك حتى الآن أية علائم على قرب تغيير “حماس” لإستراتيجيتها. ورغم ذلك يرى خبراء أن نتنياهو يهدد لكنه يريد من مصر تحديدا أن تتدخل لوقف القتال. ونقلت “معاريف الأسبوع” عن مصدر سياسي رفيع قوله “نحن نتحدث إلى كل جهة تريد التوصل إلى تهدئة، لكن ليست لدينا توقعات بأن تبادر حماس والمنظمات الأخرى للتهدئة في هذه المرحلة، لذلك نحن نستعد ونعد الجيش والجبهة الداخلية والأسرة الدولية، لعملية طويلة”.
إلى ذلك، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في بدء اجتماع للقيادة الفلسطينية في رام الله، “ما يحدث من قتل لعائلات بأكملها هو إبادة جماعية تمارس بحق شعبنا الفلسطيني من قبل إسرائيل”، مضيفا ان ما يحصل في غزة “حرب على الشعب الفلسطيني بأكمله، وليس ضد فصيل بعينه والأيام المقبلة ستكون أياما صعبة”.
وحثت واشنطن إسرائيل والفلسطينيين على تهدئة التوتر في غزة. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جين بيساكي إن وزير الخارجية جون كيري تحدث مع نتنياهو وأنه يعتزم التحدث مع عباس. وأضافت “نشعر بالقلق على سلامة وأمن المدنيين على الجانبين”، مشيرة إلى “سكان جنوب إسرائيل الذين اجبروا على الحياة في منازلهم تحت نيران الصواريخ… والمدنيين في غزة”.