IMLebanon

غزة.. وإشكاليات الموقف العربي!

الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة، وحّدت اللبنانيين، وأحضرت النصاب إلى مجلس النواب اللبناني، ولكنها لم تفلح، حتى الآن، في توحيد الموقف العربي، وإحضار الردود العربية المناسبة على الهمجية الإسرائيلية المتمادية، ضد المواطنين العزّل في مدن القطاع المحاصر.

قد تكون إشكالية الوضع السياسي في غزة، في مقدمة العوامل التي أضعفت الرد العربي اللازم على العدوان، وقد يكون التوتر الحاصل بين «الإخوان المسلمين» وأكثر من دولة عربية، في طليعة الأسباب التي أظهرت هذا الفتور في الموقف العربي، من الحرب العدوانية المستعرة ضد أكثر من مليون مواطن فلسطيني في غزة.

غير أن الدخان الأسود الذي يُشوّش على الرؤية في المنطقة، والمخاطر المحدقة بكيانات أكثر من دولة عربية، تتطلب من كل الأطراف العربية، مغادرة دوائر الانفعال والحسابات الضيّقة، والارتفاع إلى مستوى المسؤولية، الوطنية والقومية، التي تتطلبها المواجهات المشتعلة في أكثر من قطر عربي، والتي تُهدّد بانهيار ما تبقى من النظام العربي، المنهك أصـلاً، لمصلحة أطراف إقليمية غير عربية، تتصارع في ما بينها، للتفرّد بالهيمنة على مقدرات الدول العربية، وثرواتها!

ثمة حقائق دامغة، ووقائع على الأرض صارخة، لا تستطيع «حماس»، أو أي دولة عربية على خصام معها، أن تقفز فوقها، أو حتى أن تتجاهلها، أو تقلل من قيمتها، في الاعتبارات الاستراتيجية الجيوسياسية، التي يجب أن تبقى هي المقياس الأوّل والأخير، لتحديد المواقف وأساليب التعامل، مع تطورات العدوان الإسرائيلي على غزة وتداعياته المختلفة على الوضعين: الفلسطيني والعربي أولاً.

 * * *

ليست ساعة لخوض السجالات العقيمة حول خلفية التباعد المزمن بين حركة «حماس»، وبعض عواصم القرار العربي، وخاصة القاهرة والرياض.

لذلك، سنحصر الكلام في النقاط التي تساعد على استدراك المخاطر التي تحملها رياح المواجهات الدامية مع آلة الحرب الإسرائيلية، ومضاعفاتها على المستويين الفلسطيني والعربي.

ويمكن اختصار الكلام على بعض هذه النقاط ، على سبيل المثال، لا الحصر، وذلك على النحو التالي:

1 – إن قطاع غزة الذي يتعرّض لأشرس هجمة عدوانية هو أولاً وأخيراً أرض فلسطينية، وأهله جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، ومصيره مرتبط بشكل عضوي ومباشر مع بقية مناطق السلطة الفلسطينية.

2 – إن وقوع قطاع غزة تحت سلطة حركة «حماس»، التي غامرت بالانفصال عن السلطة الأم، وأوصت بنشوء كيان سياسي مستقل عن السلطة المركزية في رام الله، لا يُعطي الحق لحماس أولاً، بالتصرف وكأن غزة مقاطعة خاصة للإخوان المسلمين، والجناح الفلسطيني بالذات، وبالتالي فهي لا تملك الحق الطبيعي أو الدستوري، أو حتى القانوني، للتفرّد بالتصرّف بمقدرات هذا الجزء العزيز من الوطن الفلسطيني.

3 – إن وجود «حماس» على رأس السلطة في قطاع غزة، لا يبرّر لأي طرف عربي، حصول مثل هذا التقصير في التضامن مع إخواننا الفلسطينيين في غزة أو حتى مجرّد التفكير بأن ساعة الاقتصاص من «حماس» قد حانت، وأن التعامل مع الشعب الفلسطيني يخضع لمقاييس معاقبة «حماس» على سياساتها السابقة، وتحالفاتها الملتبسة.

4 – إن الزج بقضية فلسطين في الحروب الدائرة على السلطة في بعض الدول العربية، هو خطأ استراتيجي تتحمّل مسؤوليته قيادة «حماس»، ولا يجوز محاسبة أهل غزة على مثل هذه التصرفات الحزبية الضيّقة.

5 – إن تسرّع «حماس» في رفض المبادرة المصرية لوقف العدوان على غزة، على خلفية الخلاف مع حكومة السيسي، والوقوف إلى جانب تنظيم الإخوان في مصر، خطأ آخر تتحمل مسؤوليته قيادة «حماس»، ومن غير المنطقي تحميل تبعاته للشعب الفلسطيني في غزة، الذي ما زال يدفع أثمان هذا الموقف باهظاً، من أرواح الشهداء والنساء والأطفال، فضلاً عن الدمار المروّع الذي يلحقه القصف الإسرائيلي الحاقد للمجمعات السكنية في مختلف مدن القطاع.

 * * *

من حق غزة وأهلها أن تسمع صرخات الاستنكار القوية ضد العدوان، من خلال مواقف عربية حاسمة ضد الدولة المعتدية، وضد كل من يقف إلى جانبها في المحافل الدولية.

ومن حق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، وفي كل أنحاء الشتات أن يطالب «حماس» بالعودة إلى الحضن العربي أولاً، ثم الابتعاد عن صراع المحاور العربية ثانياً وثالثاً ورابعاً.. لأن فلسطين ضاعت بالأمس بسبب متاهات الخلافات العربية، والقضية مهددة بالاندثار تحت ضغط الصراعات المستمرة بين المحاور العربية!