تُوحي الاتصالات السياسية والديبلوماسية المحمومة، بأنّ باب المزايدات قد فُتِح على غاربِه بين الأطراف التي تسعى إلى تحصيل حصّتها على أشلاء المدنيّين العُزَّل من أبناء الشعب الفلسطيني، سواءٌ أكانوا من سكّان غزّة أم من الضفّة الغربية.
تُظهر الحرب الدائرة، التي شارفَت على الانتهاء، كما لم تُظهره كلّ الحروب التي تعَرَّض لها الفلسطينيون، حجمَ النزاع الإقليمي الذي يسعى كلّ طرف فيه إلى سحب الغطاء نحوَه على حساب الآخرين.
بدأ وزير الخارجية الأميركي جون كيري في صوغ جردة حساب لِما تحقَّق وما ينبغي استكماله لاحقاً، بعدما احتاج إلى سقوط نحو 600 قتيل وآلاف الجرحى، ليرى «جنون» ما يحصل في غزّة، قبل أن يتهكّم من «دقّة» العملية العسكرية الإسرائيلية.
تقول مصادر أميركية مُطلعة «إنّ دخول أطراف إقليمية على خطّ الأحداث، أثار حفيظة أولئك الذين كانوا وراء اندلاع شرارة الحرب في القطاع، والتي كان يمكن أن تنتهي باكراً، لولا تدخّل قوى أخرى، سواءٌ للإستثمار فيها أو لتصفية الحسابات».
وتؤكّد المصادر أنّه «إذا كانت إيران تقف وراء اندلاع تلك الحرب لحسابات، بدت في لحظتها أنّها مرتبطة بضغوط التفاوض على ملفّها النووي، وإشهاراً لملف القضية الفلسطينية في مواجهة الهجمة التي تتعرّض لها في الإقليم، فإنّ قرارَ تمديد المفاوضات النووية دفعَ بأطرافٍ إقليمية أخرى، كتركيا وقطر، إلى استثمار ما يحصل. فطهران شعرَت بأنّ الأمور قد تفلت من يدها بعد دخول أنقرة والدوحة على خط الأزمة، خصوصاً أنّ علاقتهما مع حركة «حماس» تتخطَّى ما يجمعها بها.
هذا ما جعَل «حماس» ترفض المبادرة المصرية التي يبدو أنّها ستكون في نهاية المطاف، المبادرة الوحيدة الجادة والمجدية، بعدما وجَدت إيران نفسَها مُجبرة موضوعياً على الإنحياز إليها. فالقاهرة أقرضَتها في بغداد، لكنّها لا تريد خسارة كلّ شيء، أو على الأقلّ أن تخسر كثيراً.
هذا ما يفسّر جزئياً محاولة التلويح بورقة «حزب الله» والجبهة مع لبنان، فيما ترى المصادر الأميركية أنّ الأمر لا يعدو كونه أكثر من محاولة للتهديد بعدم تجاوز طهران خلال عملية ترصيد الحسابات التي بدأها كيري. وتعتبر المصادر أنّ ما حصل حوّلَ الأزمة في غزّة مجدّداً، أزمةً بين المكوّنين الرئيسيين في المنطقة: السُنّة والشيعة، في ظلّ لوحةٍ معقّدة للعلاقات والنزاعات التي تحكم وتتحكَّم بلاعبيها الكبار والصغار.
من جهتها، تُبدي أوساط ديبلوماسية عربية أسفَها لأن تتحوّل القضية الفلسطينية «ورقة» للخلافات بين القوى الإقليمية، خصوصاً أنّ ما حدث أظهر أنّ الجميع، بلا استثناء، يعارضون لا بل يرفضون رفضاً باتاً أن يستعيد الفلسطينيون وحدتهم وتماسكهم.
وتقول هذه الأوساط: «إذا كانت إسرائيل بالتعريف هي العدوّ الرئيس لهذه الوحدة، فإنّ القوى الإقليمية الأخرى لا تقلّ عداءً لها أيضاً، لإدراكها أنّها الورقة الوحيدة التي لا تذبل. ففي هذا الإطار، الجميع شركاء في المجزرة التي يتعرَّض لها الفلسطينيون، فيما نتائج الحرب ستصبّ حكماً في مصلحة إسرائيل، في معزل عن خطابات البطولة والتأييد والمزايدات».
وتؤكّد تلك الأوساط «أنّ ما حصل يُريح واشنطن والقوى الكبرى التي تبحث عن مخرج للحرب الدائرة، ويزيح عن كاهلها حراجة الدم الفلسطيني المُراق. فهي اليوم ليست مطالبة سوى بالوقوف على «مسافة» واحدة من «الإسلامَين» اللذين يسعى كلّ منهما إلى وضع الورقة الفلسطينية في جيبه، فيما الأرباح الصافية ستعود لإسرائيل».