لو لم يحمِل نائب القوات طوني زهرا أرزته عام 2012 ويذهب بها إلى غزة، لكانت «وقفته» أمس ضد العدوان على القطاع فيها شيء من الغرابة. ليس زهرا وحيداً. في يوم واحد، اجتمع ثلاثة من نواب القوات اللبنانية داخل حديقة الإسكوا في بيروت للتضامن مع أهالي غزة. لم يحترِق القواتيون تحت لهيب تموز، بدعوة من رئيسهم سمير جعجع.
نبعت الفكرة أول من أمس في اجتماع كتلة المستقبل التي دعت إلى وقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني قبل الجلسة النيابية التي كان من المقرر عقدها لانتخاب رئيس للجمهورية. للوهلة الأولى، يتراءى للواقف على أول الطريق المؤدي إلى رياض الصلح أن تظاهرة كبيرة سبّبت زحمة سير. لكن الاقتراب من المكان يظهر أن عدد الذين لبّوا دعوة «المستقبل» لم يتجاوز ثلاثين شخصاً، نصفهم نواب. كاد أن يكون عدد الصحافيين والمصورّين هو نفسه عدد المعتصمين.
نواب القوات يقفون صفاً واحداً مع زملائهم في المستقبل، وقد صاروا جميعهم في خندق واحد مع «المقاومة». يتسمّر فادي كرم في مكانه، بصلابة لا تخفي تعاطفه مع الشعب الفلسطيني، ووقوفه إلى جانب مقاومتها في وجه القرار الإسرائيلي القضاء عليها. وها هو جورج عدوان المختبئ خلف نظارته السوداء، ممتلئ بالحيوية والحياة، واضعاً كتفه على كتف نائب الجماعة الإسلامية عماد الحوت موحّدين تحت راية فلسطين.
السنيورة: اللبنانيون نجحوا في 2006 في إفشال العدوان الإسرائيلي
المتضامنون من نواب المستقبل مع غزة كانوا نحو نصف الكتلة. من بيروت ومن طرابلس وعكار. أحدٌ منهم لم يعط تصريحاً جانبياً. اصطفوا جميعهم إلى جانب رئيسهم فؤاد السنيورة وخلفه. يبحث هو عن الفيء أينما كان. يهرب من حرارة الشمس فيهربون معه. يختبئ فيختبئون مثله تحت شجرة، يتحدثون في ظلّها مع ممثلَي كل من حركتي فتح وحماس اللذين حضرا للمشاركة. النواب المبللون بعرقهم كرمى لعيون غزة وقفوا دقيقة صمت على أرواح الشهداء في موجة الحرّ المفرط، وقبلها دقائق للاستماع إلى كلمة السنيورة «المقاوِمة». تحت تأثير الأغاني الثورية، وقصائد محمود درويش، وفي معرض حديثه عن العدوان على غزة، اعترف السنيورة ببسالة المقاومة. لم يقل حزب الله ولا المغامرين. قال إن «اللبنانيين نجحوا عام 2006 في إفشال العدوان الإسرائيلي بفضل وحدتهم وبفضل قوة وصلابة وصمود المقاومة اللبنانية»، مضيفاً: «أنتم تمنعون إسرائيل من تحقيق أهدافها بسبب مقاومتكم التي أزعجت عدوكم». وبعد انتهاء كلمته، توجه السنيورة ونواب كتلته لتسليم رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عبر ممثله في لبنان. وفيما هو في طريقه إلى مكتب ديريك بلامبلي، كان أحد أعضاء المكتب التنفيذي في تيار المستقبل «يزنّ على أذن» المسؤول السياسي لحركة حماس في بيروت رأفت مرة، بأن «لا يكتفي بممثلين عن حزب الله وحركة أمل وتيار المستقبل لحضور الاعتصام اليوم»، وأن عليه أن «يستقدم شخصية مسيحية حزبية أو مستقلّة واحدة على الأقل».
وأكّد مرّة لـ«الأخبار» أن «الفصائل الفلسطينية في لبنان تُرحّب بأي تحرك تضامني مع غزّة، من أي جهة لبنانية أتى»، متمنياً من «جميع المؤسسات اللبنانية والمجتمع المدني المبادرة إلى تنفيذ خطوات عملية لإغاثة غزة».
لم ينته يوم المستقبليين والقواتيين مع انتهاء الاعتصام. كان بانتظارهم عمل آخر، لا تضامن فيه ولا من يتعاطفون. إلى المجلس النيابي در. توجّهوا لحضور الجلسة التي كان مقرراً عقدها لانتخاب رئيس للجمهورية. قبل وصولهم، كان مجلس النواب شبه خالٍ إلا من بعض الصحافيين. فجأة، دخل «المتضامنون» دفعة واحدة. وللمرة الثامنة على التوالي فشلوا في تحرير كرسي بعبدا من شغوره. ما يحدث في أروقة البرلمان وعلى هوامشه يختصر المشهد السياسي. لا حديث عن رئيس جديد، بل سلسلة الرتب والرواتب ودفع رواتب موظفي القطاع العام قبل نهاية العام الجاري يشغلان بال السياسيين. نتيجة جلسة أمس كانت كما سالفاتها. فبسبب غياب النصاب الدستوري اللازم لانتخاب رئيس للجمهروية، أعلن رئيس مجلس النواب نبيه برّي ـــ الغائب الأول عن الحضور ـــ تأجيل الجلسة إلى يوم 12 آب. موعد جديد يصعب تأمين النصاب فيه، لا لأسباب سياسية وحسب، بل أيضاً لأن جزءاً كبيراً من النواب سيكون خارج البلاد لقضاء «العطلة الصيفية»!