إسرائيل، كيان غاصب، استيطاني. عنصري. لا حدود ولا خطوط حمراء لعنفه.
الشعب الفلسطيني، شعب مشرّد. مقهور. مظلوم. مقاوِم. صامد وشجاع. التضحية عنده مسار مفتوح على هدف عظيم يستحقه. العيش في فلسطين في حرّية وسيادة وكرامة.
عام 1982، غزت إسرائيل لبنان واحتلت بيروت. الهدف الأوّل والكبير، كان إخراج منظمة التحرير الفلسطينية وقائدها ياسر عرفات من بيروت. لم يكن الانتصار العسكري وحده الذي حقّق هدف إسرائيل. الصمت العربي والدولي، والموافقة الضمنية على الهدف الإسرائيلي، كان أساسياً. قصفت بيروت ليلاً ونهاراً من الجو والبر والبحر، طوال أسابيع والعالم خصوصاً العربي، يتابع المونديال. لم تتمكن إسرائيل من القضاء على أبو عمار. عاد من تونس إلى طرابلس. تعاقد حافظ الأسد مع كيسنجر على إنجاز المهمّة مقابل عودته إلى بيروت. حاصر الأسد طرابلس. فرنسوا ميتران أنقذ عرفات. وكانت النتيجة اتفاق أوسلو وعودة أبو عمار إلى فلسطين، على طريق الدولة الطويل.
2014، التاريخ يكاد يكرّر نفسه، إسرائيل تضرب بالطيران أصغر أرض وأكبر شعب، والعرب والعالم يتفرّجون على المونديال. بعض الإدانات والاستنكارات التي لا تنتج رصاصة واحدة ولا رغيف خبز واحد. القرار واضح، تلقين «حماس» درساً قاسياً يدجّنها ولا يلغيها، الاقتلاع مستحيل وممنوع. لا أحد يريد مواجهة هذا المستحيل. غزّة كلها «علبة بريد» دموية. الرسائل كثيرة، بعضها يتم استلامه اليوم والبعض الآخر لاحقاً.
«حماس» بحاجة لهذه المواجهة العسكرية. خسرت «حماس» في سنة واحدة مصر بعد سقوط محمد مرسي والاخوان المسلمين. قبل ذلك بعامين خسرت إيران، عندما اختارت العودة إلى «النبع»، بدلاً من «السباحة» في «الروافد». الحرب في ظلّ هذا الحصار، والثمن الباهظ للمصالحة مع السلطة، منتجة حتى لو كانت خسائرها ضخمة في البشر والحجر. الشعب الفلسطيني اعتاد دفع ضريبة الدم. ليس أمام «حماس» سوى المواجهة. على يسارها حركة «الجهاد» الأكثر تشدّداً والأكثر إلتصاقاً بإيران. الأزمة مفتوحة، لكن ماذا بعد؟
مصر، هي بوّابة غزّة. مصر السيسي الغاضبة على «حماس» لا يمكنها، وهي تعمل على فتح الأبواب نحو العودة إلى لعب دور عربي واقليمي، يحتاج له العرب بقدر حاجتها اليه، إلاّ نجدة غزّة وشعبها، فكانت إعادة فتح ممر رفح. لكنْ لكل شيء حدود، تبقى الوساطة لوقف «عملية» «الجرف الصامد» الإسرائيلية. نجاح مصر في وقف عملية «الجرف» الإسرائيلية، للشعب الفلسطيني مهم ومنتج. نجاح الرئيس السيسي في الاختبار الأوّل له خطوة كبيرة إلى الأمام، في عودة مصر مركزاً في العالم العربي في وقت يسبح العرب في الفراغ. مثل كل الحروب الإسرائيلية ضدّ الشعب الفلسطيني، الطائرات الإسرائيلية تضرب والعرب يتضاربون بالاتهامات. محور «الممانعة« يرمي محور «التسليم«، ترك الشعب الفلسطيني لمصيره والاهتمام بدعم الحرب ضدّ بشّار الأسد ونور الدين المالكي. التسليم جدلاً بصحّة ذلك. ماذا يفعل الممانِعون؟ ماذا فعلوا لسكان مخيم اليرموك قبل الشعب السوري؟ لا شيء. في حين بذل محور الممانعة كل شيء لدعم الأسد من المال إلى المقاتلين الذين بشعاراتهم وغربتهم عن الأرض نثروا ونموا المواجهة المذهبية التي لن يُشفى المسلمون منها بعد ألف عام.
إيران تصعّد خطابياً. يهمّها أن تأخذ «حماس» درساً قاسياً، وأن تستعيد هي الزخم والقوّة لخطابها الفلسطيني، بعد أن ابتعدت كثيراً عنه منذ انخراطها بالحرب في سوريا وفي العراق. مشكلة إيران، أنّ الحساسية المذهبية التي تكاد تصل إلى مواجهة واسعة، ألغت كل رصيدها الفلسطيني، حتى لو أصبح الجنرال قاسم سليماني في قلب غزّة، لم يعد الخطاب الإيراني في دعم الشعب الفلسطيني يغري ثلاثة أرباع العرب والمسلمين.
بنيامين نتنياهو اليميني المتطرّف، يواجه افيغدور ليبرمان اليميني الأكثر تطرّفاً، في وقت يستمر انزلاق المجتمع الإسرائيلي نحو مزيد من التطرّف إلى درجة التماهي مع النازية مع إحراق الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير حيّاً. ضرب غزّة، و»حماس» تحديداً، يشكّل إضافة يومية إلى رصيد المتطرّفَين نتنياهو وليبرلمان. النتيجة هي التي تحسم وتقرّر مَن هو الرابح النهائي. بنك الأهداف الإسرائيلي يكاد ينتهي في ثلاثة أو أربعة أيام كما يقول إسرائيليون. ماذا بعد؟
تبقى الإدارة الأوبامية وفن إدارة حروب الآخرين من بعيد، دون إحراق اليدين بنارها. نتنياهو لم يسمع أوباما ولا اهتم بكل جولات جون كيري وزير الخارجية الأميركي، لإتمام اتفاق مع الرئيس محمود عباس. الآن، يعرض أوباما على نتنياهو القيام بوساطة بينه وبين «حماس» عبر طرف ثالث سواء مصر أو قطر لوقف عملية «الجرف». كل يوم حرب إضافي، مثمر لأوباما. وصول نتنياهو إلى الطريق المسدود، واستنزاف «حماس»، منتج ومربح للسياسة الأوبامية السلبية.
يبقى فقط الشعب الفلسطيني هو الضحية…