ها هو الفراغ يخيّم مرةً جديدة على سدة رئاسة الجمهورية. فراغ أو شغور؟ لا يهم طالما أنّ النتيجة واحدة: لا رئيس مارونياً للجمهورية اللبنانية حتى إشعار آخر… هذا الواقع يطرح علامات استفهام عدة حول إمكانية تسيير الدولة التي تقوم على العيش المسيحي – الإسلامي، شؤونها في ظل غياب الرئاسة الأولى، الذي يضرب ميثاق العيش المشترك ويخلّ بتوازن المؤسسات وعملها.
يختلف المسيحيون على موقع رئاسة الجمهورية، إلّا أنهم يتفقون على سبل التعاطي مع الفراغ الرئاسي، متعمّدين وقف التشريع على اعتبار أنّ تفريغ الرئاسة الأولى ينسحب تلقائياً على كل المؤسسات. وهنا ينصبّ الجدل السياسي على دور مجلسَي النواب والوزراء بعد الشغور. تشريع أو لا تشريع؟ صلاحيات كاملة أم مجتزَأة للحكومة الحالية؟
ولو صح أنّ صلاحيات الحكومة كافية لسدّ الشغور فلماذا أيّ مشروع يقره مجلس الوزراء يحتاج أيضاً إلى توقيعِ رئيس الجمهورية؟ ولو كان قرار الحكومة كافياً لما قالوا: نريد رئيساً للجمهورية. فهل يكون الحلّ أو الفتوى الدستورية الجديدة في أن يوقع مجلس الوزراء مرتين، مرة بصفة مجلس وأخرى بصفة صلاحيات رئيس الجمهورية؟ ومَن سيطلب ردّ المشروع إذا كانت الحكومة أرسلته وأقرّه مجلس النواب؟
وفي هذا السياق، أكد الخبير في القانون الدولي المحامي أنطوان صفير في حديث لـ «الجمهورية»، «أننا نعيش في نظامٍ شبه برلماني نظراً الى أهمية دور رئاسة الجمهورية». وسأل: «لو حصلت الانتخابات النيابية واعتُبرت هذه الحكومة مستقيلة، كيف ستقوم حكومةٌ جديدة؟ مَن سيُجري الاستشارات؟»، لافتاً الى أنّ «الصلاحيات المناطة بمجلس الوزراء مجتمعاً هي صلاحيات الرئيس بشكل عام، وليست تلك التي يتخذها بشكل فردي، والتي يستحيل دستورياً أن يقوم بها مجلس الوزراء نيابةً عنه».
أمّا من الناحية الميثاقية، فشدّد صفير على «أننا في نظام فديرالية الطوائف ورئيس الجمهورية يمثل المسيحيين في السلطة، ومِن غير الطبيعي أن تبقى سلطةٌ من دون مَن يمثلها»، واستطرد: «لكنّ الموضوع الميثاقي لا يُطرح هنا بشكل ثابت، لأنّ الظاهر هو أنّ الكتلة الأكبر عند المسيحيين لا تحضر الى المجلس، وبالتالي فإنّ خلوّ سُدّة الرئاسة يعود الى عدم التوافق الوطني والمسيحي بشكل خاص»، معتبراً أنّ « تغييب ممثل المسيحيين عن السلطة الدستورية عيبٌ ميثاقي». ودعا المجلسَين الدستوري والنيابي، الى «إعادة النظر في مسألة انتخابات الرئاسة، لوضع ضوابط لهذا الموضوع ضمن آليةٍ واضحة، وذلك كي يصبح النظام الدستوري قائماً على نصوص دستورية لا تحمل التأويل والتحليل».
من جهته، رأى عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب ايلي كيروز «أنّ انتهاء المهلة الدستورية التي نصّت عليها المادة 73 من الدستور من دون انتخاب رئيس للجمهورية، يحتّم على المجلس النيابي التفرّغ كلياً لمهمة انتخاب الرئيس»، لافتاً الى أنّ «المجلس يعود الى ممارسة دوره التشريعي عندما تعود الأمور الى نصابها بفعل انتهاء الظرف الإستثنائي المتمثل بضرورة هذا الإنتخاب قبل ايّ اعتبار آخر»، مؤكداً انّ «فريق 8 آذار يستمر في تعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية خلافاً للدستور معرِّضاً الجمهورية للخراب والميثاق الوطني للخطر ومتسبباً « بالخلوّ» في سدّة الرئاسة». وسأل: «هل يجوز بعد كل ذلك، وبعد أن اصبح الفراغ في سدّة الرئاسة أمراً واقعياً، التذرع بوجوب احترام الشروط العامة؟ وهل يجوز أن نجعل من النصاب نصابَ تعطيل لنيّة المشترع ولكل الإجراءات الدستورية وللإستحقاق وللجمهورية مع ما ينتج عن ذلك من أزمات ميثاقية ودستورية وسياسية؟»
في المقابل، أكد عضو تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ابراهيم كنعان لـ «الجمهورية»، أنه «لا يمكن للحياة السياسية بعد غياب رئيس الجمهورية أن تكون ميثاقية»، وذكر بـ «أننا نطالب بالاتفاق على آلية تضمن عملياً التمييز بين وضع الشغور وغير الشغور. فموقفنا واضح من جهة رفض الشغور الرئاسي، والتمييز بين وجود الرئيس وعدمه أمر أساسي»، لافتاً الى «أننا نحاول اليوم أن نحدّد مع سائر الأفرقاء صلاحيات رئيس الجمهورية التي تُعطى لمجلس الوزراء كاملاً ووفق أيّ آلية تحفظ عملياً هذه الصلاحيات».
ودعا الجميع الى «الاعتراف بالشريك المسيحي، ومعالجة الخلل على مستوى قانون الانتخاب، حتى لا يكرَّس خللاً ميثاقياً بنظام غير صالح للمسيحيين منذ 24 عاماً. فهل نحن مستعدون أن نستمرّ بالنصاب الى تكريس الخلل؟ أم أننا مع النصاب سنؤمن ميثاقية؟»، رافضاً اتهام التكتل بـ«تعطيل الإنتخاب».
وبانتظار الفرج، ليس أمام المسيحيين سوى السؤال عن سبب الجدل حول الميثاقية إذا غاب ممثلهم عن الدولة، بينما تتعطّل كل المؤسسات في حال غياب ممثل أيّ مكوّن آخر.