IMLebanon

فار» أم «منشق»

أصر الجيش اللبناني على حصر التعليق على حادثة انشقاق مجند عن الجيش اللبناني والتحاقه بجبهة «النصرة» بعبارة: «إن الحادث (فردي) وبأن المجند (فار) وليس بمنشق». هذا الإصرار الذي جهدت مخابرات الجيش لتعميمه على وسائل الإعلام وضبط ما أمكن من القصص الصحافية المرتبطة بالحادثة أثار الكثير من التعليقات والردود الساخرة والمحذرة أيضا من سياسة الهروب من الوقائع المقلقة التي تثقل على لبنان.

فالتقليل من شأن قضية المجند «عاطف سيف الدين» الذي انشق عن الجيش اللبناني والتحق بجبهة النصرة في سابقة تحصل للمرة الأولى في لبنان لن يثمر تجاوزا سريعا للحادثة.

لقد ظهر مجند منشق عبر شريط فيديو يعلل فيه خطوته بروايات لوقائع يقول إنه عايشها خلال عمله في الجيش، وهي وقائع، بحسبه، تثبت هيمنة «حزب الله» على قرار الجيش اللبناني، وقد أسهب المجند في الحديث عن سطوة حزب الله، وعن ما قال إنه ظلامة يرى أنها تلحق بالسنة في البلد.

شريط الفيديو ذو الدقائق الست يشبه ما اعتمدته المعارضة السورية في بداية الثورة؛ حيث يظهر المجند بطاقته ويتحدث من خلف طاولة وعلق خلفه علم جبهة النصرة مدليا بروايته، واختتم الشريط بدخول عدة ملثمين مسلحين عانقوا المجند سيف الدين وهنأوه بخطوته.

اللافت في الشريط هو تماسك الشاب في المخاطبة، صحيح أن التصوير توقف عدة مرات واستكمل وجرى مونتاج واضح للكلمة التي قالها لكن شيئا ما في أدائه والعبارات التي صاغها يوحي بأن هذه الرواية لم تأت من فراغ، وليست مجرد ترداد لخطاب سياسي يستخدم في لبنان صدقا في أحيان كثيرة وبطائفية ومذهبية في أحيان أخرى. في الحقيقة، لا تشكل حادثة الانشقاق هذه صفعة للجيش اللبناني فحسب، بل هي ضربة فعلية لمن لا يزال يعتقد ولو قليلا بإمكان نجاة لبنان من أتون الوضع السوري، ولن تجدي كثيرا محاولات تعميم عبارة «فرار» الجندي والإلحاح على عدم استخدام الإعلام لكلمة «انشقاق» للتهوين من شأن الحادثة باعتبارها استكمالا لحملة ممنهجة ضد الجيش اللبناني بدأت منذ مدة. صحيح أن حالة الانشقاق هذه فردية لكنها حدثت في سياق سياسي عام مقلق ومستفز ويمثل تفاقمه محفزا لأشخاص آخرين ربما للقيام بأعمال خطيرة ستكون آثارها مدمرة للجميع في لبنان، فالسنوات والأشهر الأخيرة حملت الكثير من الوقائع التي يصعب أن لا تفضي إلى مثل هذا الانشقاق والذي هناك خشية حقيقية من أن يخرج من سياقه الفردي المفترض إلى ما هو أعم وأشمل.

ليس استعراض تاريخ التهميش الذي عانى منه الجيش اللبناني لصالح حزب الله والقوى الداعمة له إقليميا سوى تجميع وقائع فرضت على لبنان منذ العام 1990 حتى اليوم، منذ أن منع الجيش أن يكون القوة المسلحة الوحيدة المسؤولة عن الحدود والوطن.. المحطات التي تعرض فيها الجيش اللبناني للاستهداف كقوة معبرة عن سلطة الدولة لا حصر لها لكنها في الأشهر الأخيرة باتت أكثر حضورا.

حدود لبنان المشرعة على حزب الله ينقل مقاتليه علنا لتقاتل مع النظام السوري، وعناصر «النصرة» تتسلسل وتشن عمليات ضد الجيش، وضد أهداف أخرى ليست سوى وجه من الأزمة. أما الانقسام الطائفي والمأزق السياسي فلذلك الكثير من المظاهر.

شريط المجند المنشق عن الجيش إنذار جديد للانهيار الذي يهرول لبنان كفكرة وكبلد نحوه، هنا لا يعود لتعبير «منشق» أو «فار» أي قيمة في بلد بات الجميع إما فارا منه أو منشقا عنه.