IMLebanon

فتوى الراعي تغطّي هرطقة التمديد

تبنى البطريرك بشارة الراعي فكرة تمديد ولاية الرئيس ميشال سليمان، فأفتى بجواز تصريف الأخير أعمال رئاسة الجمهورية، من دون أي تعديل للدستور. يمكن لأمر مماثل، اذا ما صرّح به البطريرك علانية، أن ينقل بكركي من موقع الحكم الى موقع المعادي للزعامات المسيحية

لم تكد أوساط مقربة من رئيس الجمهورية ميشال سليمان تعود الى الحديث عن تمديد ولايته، عبر ابتداع تعديل دستوري يتيح له تصريف الأعمال، حتى وجدت من ينعى هذه «البدعة» لحاجتها الى ثلثي أصوات أعضاء المجلس النيابي. لكن البطريرك بشارة الراعي سرعان ما تلقّف الفكرة، محاولاً «حياكة» فتوى تشرعن بقاء سليمان في القصر بعد انتهاء ولايته «حفاظاً على حقوق المسيحيين وصلاحياتهم، من دون حاجة إلى تعديل دستوري لأن الميثاق الوطني أقوى من الدستور».

وتقوم «الفتوى البطريركية» على ضرورة متابعة الرئيس عمله في شكل عادي «منعاً لفراغ في السلطة قد يثبت سابقة دستورية توحي بامكانية ادارة الدولة من دون رئيس مسيحي وكأن شيئا لم يكن». ويبرر الراعي، أمام المقربين منه، تبنيه فكرة «تصريف الأعمال الرئاسية» برفضه المطلق شغور قصر بعبدا، وتسلّم الحكومة مهام الرئيس، وعدم سماحه لأي فريق بتعطيل البلد لأن ذلك «يؤدي الى عقد اجتماعي جديد أو طائف ثان».

رسل البطريرك يجولون اليوم على الفعاليات السياسية والسفارات لتسويق الطرح واستطلاع حظوظ نجاحه قبل اعلانه. وسبق ذلك استنفار بكركي لرجال الدين من مطارنة وأساقفة لاحاطة الرئيس بالشرعية الكنسية. وتقول مصادر الصرح إن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري وافقا ضمنياً على اقتراح الراعي.

وتشير الى أن موافقة قوى 14 آذار على طرح البطريرك لا تنبع من الخشية من شغور الموقع الرئاسي، بقدر ما هي محاولة لايقاع البطريرك في شَركِها وتسييس موقعه عبر جرّه الى مواقف عدائية ضد فريق معيّن. أما التيار الوطني الحر، فينفي عبر أحد نوابه إمكانية مرور بدعة مماثلة، واضعاً ما سبق في سياق «همروجة اعلامية للضغط في اتجاه اجراء الانتخابات في موعدها». أما قانونياً، فيبدو الطرح مستحيلاً وفقاً للوزير السابق سليم جريصاتي، ولا يتعدّى كونه «هرطقة دستورية». لا تمديد من دون تعديل دستوري مهما كانت الظروف والحجج، يقول جريصاتي. ولا وجود أيضا «لنص صريح كما في حالة الحكومة يلزم رئيس الجمهورية تصريف الأعمال، أو يتيح له البقاء في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته بيوم واحد. الا اذا أراد الرئيس، أو أيّ جهة كانت، اغتصاب السلطة».

هكذا انتقل البطريرك في الأيام القليلة الماضية، سريعاً، من موقع الحَكَم المسيحي الى موقع الناخب الأول، واضعاً بكركي في مواجهة الرابية ومعراب. وذلك يفسّر، ربما، فتور العلاقة أخيراً بين سيّد الصرح وكلّ من رئيس تكتل التغيير والاصلاح ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. وبات المترددون الى بكركي يسمعون كلاماً واضحاً وغير مسبوق عن تهجير عون وجعجع أكثر من مليون مسيحي أواخر الثمانينيات؛ في ما عدا «سوء أداء» كل منهما السياسي الذي أدى إلى نفي أحدهما وسجن الثاني. يتابع البطريرك كلامه مستعرضا كيف أضاع الزعيمان فرصة اعادة المسيحيين بقوة الى السلطة عام 2005 عبر اقحام أنفسهما في الصراع السني ــــ الشيعي. ويختم بالاشارة الى صراعهما اليوم الذي يؤدي الى تعطيل الاستحقاق الرئاسي، فضلا عن اظهار جعجع نفسه كحامي الموارنة في حين لم يقاتل غيرهم، تاريخياً. وللراعي، هنا، ايضاح صغير في شأن الرئاسة، فالرئيس القوي هو «الرئيس المدعوم من الزعماء المسيحيين لا واحدا منهم». ويستذكر أمام زواره ما كان يردده رئيس حزب الكتائب الراحل بيار الجميل عن وقوفه دائما الى جانب أي رئيس للجمهورية من دون أن يكون هو المرشح، «لأن وصوله الى سدة الرئاسة يعني تدمير أكبر حزب مسيحي» (حزب الكتائب آنذاك). وان كان لا بدّ من تسمية الأشياء بأسمائها، للراعي أيضا مرشحوه غير المعلن عنهم رسميا.

يمكن للقب «الرئيس القوي» أن يسبق اسم رئيس المجلس العام الماروني وديع الخازن مثلا، ويمكن «الحكمة والاعتدال» أن تنطبقا على الوزير السابق دميانوس قطار. كما يمكن لمرشح غبطته أن يكون حاكم مصرف لبنان صباحاً في الفاتيكان، ويتحول الى وزير الداخلية السابق زياد بارود في عين التينة. لكن كل هؤلاء المرشحين يتبدلون ويتغيرون، إلا مرشح واحد «عابر للقارات»: الوزير السابق روجيه ديب، الأحب إلى قلب بكركي ومرشحها الأكثر جدّية ومن يستعين البطريرك ببُعد نظره في الأوقات الحرجة. يريد البطريرك رئيسا يحترم مقام بكركي، ويصغي إليها. لا يمكن هذه المواصفات مطابقة شخصيات الكثير من المرشحين خصوصاً من يصفون أنفسهم بالصقور، لذلك يتمسك البطريرك بحمائمه الوديعة. ولكنه يبقيها في الظلمة في انتظار اللحظة المناسبة لاطلاقها.