وكأنّ التاريخ يعيد نفسه، فإثر تلقي الدعوة الكريمة من سماحة المفتي مالك الشعار الى مأدبة غداء تكريماً للمرشح الرئاسي الوزير سليمان فرنجية، تذكرت كم أنّ الحال اليوم تشبه ما جرى في العام 1975.
الزعماء الثلاثة، أو ما كان يُعرف بالحلف الثلاثي (كميل شمعون وبيار الجميّل وريمون إدة) عندما شعروا أنهم عاجزون عن أن ينافسوا بأي منهم المرشح الشهابي الياس سركيس توافقوا على تأييد الرئيس سليمان فرنجية الذي ليس فقط لم يكن من صفوفهم بل كان بينهم وبينه خلافات جدية في السياسة.
ولكن مَن أعلن ترشيح فرنجية كان الرئيس صائب سلام… واليوم كما قال «فخامة المرشح» هو إنه أحد «الأربعة» الذين اتفقوا واتفقت معهم بكركي على أنهم المرشحون الرئاسيون.
طبعاً لم يتحدثوا من هو بينهم الأكثر تمثيلاً مسيحياً.
وهنا سجلت اعتراضات من شخصيات ونواب موارنة على هذه الحصرية بالأربعة.
يعني أنّ الكلام عن موضوع التمثيل المسيحي سقط أمام اجتماع بكركي.
وحسناً فعل المرشح فرنجية عندما قال إنّ «المرشح القوي يجب أن ينبثق من طائفته وأن يكون مقبولاً من الفئات الأخرى»، وكلمته كانت معبّرة، وأهميتها أنها قيلت من طرابلس، وهذا قمة العمل الوطني، فلبنان ميزته التعايش بين المسلمين والمسيحيين.
واللمحة التاريخية التي ذكرها فرنجية حول العيش المشترك في منطقة الشمال وما اعتراها أحياناً من صعوبات جاءت تأكيداً على حرصه على الوحدة الوطنية.
ولافت قوله: إذا وضعت بكركي مواصفات أخرى فإنني في الحالين ملتزم، أما مسألة الأقوى في كل طائفة هو أمر خطير لأنّ الإعتدال قد لا يكون بالضرورة هو الأقوى.
إنّ لبنان في حياته لم يعش على التطرّف، إنّه بلد الإعتدال والتوافق.
وذكّر فرنجية بأحداث حرب السنتين التي كانت مرحلة صعبة، ولكن اليوم غيمة الصيف قد مرّت من زمان، والبرهان وجوده شخصياً في دارة مفتي طرابلس.
نقطة مهمة أخرى ركّز عليها كانت في حديثه عن العروبة وضرورة العودة اليها، لأنها وحدها تفشل المشاريع الطائفية والمذهبية، وأكد أن الرئيس فرنجية «ربّانا على العروبة ولسنا مستعدين للتفريق بين مذهب وآخر وطائفة وأخرى».
وكان لافتاً شكره لدولة الرئيس نبيه بري لأنه عندما علم بهذه الدعوة باركها وشجع سماحة المفتي الشعار على هذه المبادرة.
أما سماحة الشيخ مالك الشعار مفتي طرابلس المتميّز بانفتاحه على جميع الطوائف وبعقله التوحيدي فهو كما نعهد به يشغل همّه التعايش الاسلامي – المسيحي من ناحية، وأن يجمع أهل المدينة بمختلف توجهاتهم من ناحية ثانية.
ولفتتني إشارته الى أنّ هذا اللقاء التضامني ليس ضد أحد ولا ينطلق من أحقاد ونكايات إنما هو لجمع أبناء الوطن في وقت يئن الوطن من أحداث خطيرة وهو معرّض للخطر وأكثر ما يكون ما عانته طرابلس إن في العقود الماضية أو في أحداث باب التبانة وبعل محسن، ولم ينسَ سماحته الإشارة الى الفراغ الرئاسي وخطورته على المستوى الوطني العام، مركزاً على أن رئيس الجمهورية لا يختاره الموارنة والمسيحيون وإنما يختاره اللبنانيون عبر ممثليهم في البرلمان الذي يضم جميع الطوائف، وهذا ليس له علاقة بالدستور.
أما بالنسبة للشعار المرفوع: أن يكون الرئيس قوياً، قال نعم وألف نعم، إنما القوة لا علاقة لها بالسلاح أو العضلات لأن قوة رئيس الجمهورية تكمن بمقدار تمسكه بالدستور وحرصه عليه والحفاظ على توازن عمل المؤسسات خصوصاً الرئاسات الثلاث.