ما الحاجة الى عملية انتخاب رئيس للجمهورية اذا كان المطلوب “الاتفاق على الرئيس مسبقاً” قبل الذهاب الى البرلمان، كما اعلن رئيس المجلس السياسي في “حزب الله” ابرهيم امين السيد ومن بكركي؟
في لبنان الذي تعطّله التحديات وتذبحه الانقسامات والذي تمزقه التجاذبات الاقليمية والدولية، هل يمكن التوصل الى هذا الاتفاق، وكيف الاهتداء الى “رئيس بعيد من التحدي” كما يشترط السيد، ثم ألا يشكّل هذا الاشتراط محاولة لفرض مواصفات مرشح ٨ آذار على ١٤ آذار، وإلا “لن نذهب الى مجلس النواب” بمعنى الإصرار على تعطيل الإستحقاق، ثم المسارعة الى اتهام ١٤ آذار بالتعطيل لأنها لم ترشح واحداً من جماعة ٨ آذار مثلاً؟
هناك صيغة واحدة للاتفاق على هذا المرشح، وهي البحث عن “فخامة توافق”، تكون وظيفته ربط النزاع بين ١٤ و٨ آذار، والمضي في التدمير المنهجي للدولة ومؤسساتها وهدم ما تبقى من مفاهيم الديموقراطية البرلمانية، التي تداعى اساسها منذ ان واجه لبنان خياراً قاتلاً، اي إما المضي في تعطيل الدولة وإما القبول بالتوافق لتشكيل السلطات، على قاعدة البدعة غير المسبوقة في النظم السياسية التي سميناها “الديموقراطية التوافقية”!
يقول السيد ان “لا ديموقراطية مجردة في لبنان بل ديموقراطية سياسية تأخذ في الاعتبار رأي كل القوى السياسية”، ولكن ماذا يتبقى من المفهوم الديموقراطي عندما تصبح الانتخابات عملية اخراج شكلية لاتفاق مستحيل على حلبة لصراع الطوائف والمذاهب والسياسات؟
واذا كان “موضوع الرئاسة مرتبطا بشخصية الرئيس إن كان مقبولاً ام لا”، فمن المستحيل مع الإنقسام الجذري الضارب في العمق، والذي يعمل على خطوط التوتر الاقليمي ووفق ابعاده السياسية والمذهبية، ان نتفق إلا على رئيس متفقين على ان لا نختلف عليه، بمعنى ان يكون صورة في ورقة او بالأحرى تمثالا من شمع على كرسي بعبدا!
لا يغالي الرئيس نبيه بري عندما يقول ان المسيحيين أصروا في السابق على اكثرية الثلثين لاكتمال النصاب في الجلسة الاولى لانتخاب الرئيس. هذا صحيح ولكن الأجواء السياسية كانت تفرض ذلك انطلاقاً من روح الميثاق، الذي يبدو ساقطاً الآن في نظر البعض، والدليل التنكّر لإعلان بعبدا، ثم ان التمسك بقاعدة نصاب الثلثين الذي لا يتوافر لأي من ١٤ او ٨ آذار يجعل العملية عملية نصاب لا عملية انتخاب!
اذا كان سمير جعجع مرشح ١٤ آذار المعلن يصطدم بالنصاب الممنوع، فإن الجنرال ميشال عون مرشح “حزب الله” المضمر والذي يحاول تصوير البرتقالي قوس قزح من كل الألوان، يصطدم على الاقل بعدم تقديمه برنامج حكم ترضى به ١٤ آذار!
والديموقراطية تلفظ انفاسها في مقبرة التوافق في انتظار البحث عن نظام جديد … مفهوم؟