بعد الجلسة الاولى لانتخاب رئيس الجمهورية يوم الاربعاء في 23 نيسان الحالي، تم توجيه الانظار بقوة الى موضوع لم يلق الكثير من الانتباه والمتابعة ولم يتم التعاطي معه بجدية كافية حتى الآن من الافرقاء السياسيين في اطار السعي الى الانتخابات الرئاسية ألا وهو ما يمكن ان يكون جرى بين الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون على هذا الصعيد. اذ ان اللقاء الذي جمعهما وتم نفي وجود ابعاد له تتجاوز موضوع الحكومة التي تم تأليفها عاد ليرخي بظلاله من زاوية ان عون يبحث راهنا عن موافقة الحريري من اجل اعلانه مرشحا متوافقا عليه، كما يقول، فيما يتصرف مطمئنا وكأنما الرئاسة باتت محسومة في جيبه ما خلا التحضير النفسي وموجبات عملانية تستلزم مزيدا من الوقت لاخراج هذا الموضوع الى العلن. ومن هذه الموجبات الحصول على موافقة الخارج الاقليمي على هذا التوافق. ويتوزع السياسيون المواكبون لهذا الموضوع على طرفين : عدد كبير من السياسيين والنواب ومنهم من تيار الرئيس الحريري نفسه يتوجس من وجود توافق على دعم الرئيس الحريري وصول العماد عون الى موقع الرئاسة الاولى، لكن يفضل هؤلاء عدم تصديق وجود توافق من هذا النوع إما لعدم اطلاعهم على وجود توافق واما لاستبعاده نتيجة لامنطقيته بناء على صعوبة او استحالة دعم الحريري وصول عون لاعتبارات عدة وموقع عون المواجه للقوة الاكبر لدى الطائفة السنية طوال اعوام وباعتبارها تسجل تسليما كليا لمنطق انتصار قوى 8 آذار ومرشحها من حيث المبدأ، فضلا عن ان لعون تاريخه الخلافي مع الكثير من الافرقاء بما لا يجعل هؤلاء يرتاحون الى وصوله. والغموض الكلي في هذا الاطار يترك مجالا لمعلومات ومعطيات كثيرة يتم تداولها من دون ان يتم نفيها على هذا الصعيد بما يغذي التكهنات المتزايدة اكثر فاكثر في الايام الاخيرة. وكثيرون آخرون يقولون بوجود معلومات تثبت توافق الحريري وعون على دعم وصول الاخير، اذ ينقل هؤلاء عن متصلين برئيس تيار المستقبل انتقاله من نفي الكلام على اتفاق على ما هو ابعد من الحكومة الى الكلام على عدم اعطاء وعد بدعم وصول عون، كما تتم قراءة مواقف بعض اقرب المقربين له بتمعن ويرون فيها اكثر من مؤشرات مرونة الى بدء التمهيد بقوة لهذا الاحتمال.
ولا تنزل هذه التوقعات المبنية على مؤشرات عدة برداً وسلاماً على افرقاء سياسيين من فريقي 8 و14 آذار لا يرون في عون مرشحا وفاقيا بناء على تجربته السابقة في الحكم كرئيس حكومة انتقالية من جهة، ولانهم يعتبرون ان وصوله سيحيي شرذمة الطوائف المسيحية التي هي على خلاف مستحكم على رغم كل الشكليات. كما تتردد معلومات ان ” حزب الله” نفسه لم يكن على اطلاع مسبق على لقاء الحريري وعون على عكس ما تم تداوله على هذا الصعيد، وهو توجس من هذه الثنائية على رغم الكلام المعطى من الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله الى حليفه المسيحي عن دعمه للرئاسة في لقاء مصارحة جمع الاثنين وعتب فيه الجنرال على حليفه لعدم دعمه في ايصال العميد شامل روكز الى قيادة الجيش كما في رفض التمديد لمجلس النواب وفي قانون الانتخاب. وكانت احدى نتائج الاجتماع اعطاء السيد نصرالله عون تعهداً ان يكون الحزب الى جانبه في مسعاه للوصول الى الرئاسة الاولى، علما ان تحقيق هذا المسعى لن يتم من خلال هذا الدعم وحده. ويعتقد اصحاب هذه المعلومات ان تسليف الحزب عون موقفا مماثلا سهل ومن كيس الجنرال لصعوبة تأمين موافقة تيار المستقبل من حيث المبدأ. لكن ورغم انزعاج الحزب من التقارب بين الجانبين، فمن الصعوبة ألا يوظف لاحقا نتائجه في حال نجح عون بالوصول الى موقع الرئاسة فيعتبره انتصارا لخطه وخياره الاقليمي وترجمته داخليا خصوصا ان ايران تشعر راهنا وفي ظل اتجاهها الى اتفاق مع الولايات المتحدة على ملفها النووي بالقوة وتوحي بنجاح خياراتها. وهذا الامر يعطف على اعادة الرئيس السوري بشار الاسد تأمين استمراره ولاية جديدة في السلطة، ومن غير المستبعد ان يعتبر احتمال وصول عون انجازا من انجازات هذا المحور ايضا.
وهناك من يعتقد ان فرص عون في ظل هذه المعطيات جدية علما انها تحظى بالوقت الافضل لها من ضمن المهلة الدستورية مع احتمال تراجعها نسبيا الى حد ما بعد انتهاء هذه المهلة. اما الكلام على وحدة قوى 14 آذار المانعة لمثل هذا الاحتمال، في ظل مواقف حاسمة وجازمة تم اعلانها في الآونة الاخيرة، فان الخوف من الفراغ في موقع الرئاسة الاولى خصوصا لدى الحريري هو خوف جدي جدا وواقعي بحسب العارفين ولو انه لا يبرر في نظر غير المحبذين لوصول عون الذهاب الى خيار دعمه وخلط اوراق جديد في البلد على قواعد ليست واضحة سياسيا. وذلك في الوقت الذي كان يمكن، ولا يزال ممكنا حتى اللحظة على الاقل في رأي هؤلاء، قيام توافق مسيحي جدي على دعم ترشيح شخصية مقبولة من الجميع تقدم بديلا معقولا لموقع الرئاسة الاولى خصوصا ان ثمة متضررين جديين من الافرقاء السياسيين غير المسيحيين ايضا مما يتم تداوله كخيار قوي محتمل ويمكن التعاطي معهم على هذا الاساس. فهل يعيد الافرقاء السياسيون حساباتهم استعدادا للمرحلة المقبلة وما يليها؟