IMLebanon

فرعون «سيّاح نيّاح» في الأشرفية: الوزارة ليست مصادفة

يبدو النائب ميشال فرعون كمن يحاول تعويض خسارة العامين الماضيين بابتسامة واحدة عريضة لا تفارق وجهه، حتى حين يريد الكلام. لا يمكن للأشرفية اليوم أن تكون أكثر اشراقاً، بعدما عاد اليها كوزير للسياحة مقابل «لا وزارة» لخصميه نقولا الصحناوي وزياد عبس

«يا طب طب وادلع»، يهزّ النائب سيرج طورسركيسيان خصره. «أنا ازعل أولع»، ويرفع يديه الى الأعلى في ساحة ساسين التي «عاشت الأشرفية» هذا العام مع الفنانة نانسي عجرم. أهالي الأشرفية والمناطق المجاورة هنا يستمعون الى عجرم والأخوين شحادة و…صوت النائب نديم الجميل: «يلي بيسمع كلمة أهلو شو منقلو، شاطر شاطر…». نديم شاطر، على عكس النائبة نايلة تويني وزميلها جان أوغاسبيان، اللذين تغيبا عن الحفل الذي ينظمه رئيس جمعية «عيش الأشرفية»، وزير السياحة ميشال فرعون. لا شيء يفسد فرحة فرعون وطورسركيسيان والجميل، لا «داعش» ولا غيرها، حتى ولو أدى انفجار الطيونة الى إرجاء المهرجان أسبوعاً. ليس تفصيلاً أن يستعيد فرعون ملكه الوزاري الضائع من أيدي وزير الاتصالات السابق نقولا الصحناوي، والقيادي في التيار الوطني الحر زياد عبس. يقول وزير سابق إن طباخي الحكومة الحالية لم يحاروا كثيراً حول أي حقيبة ستُسلّم لفرعون. أجمعوا على «السياحة»، وهو سُرّ بحمل حقيبة للمرة الأولى بعدما دأب تيار المستقبل في الحكومات السابقة على تعيينه وزير دولة. هكذا، دخل فرعون وخرج الصحناوي، منافسه على المقعد الكاثوليكي في دائرة بيروت الأولى.

والمراقب لهذه الدائرة خلال العامين الماضيين، يدرك أن توزير فرعون وتسليمه حقيبة ليسا صدفة، وخصوصاً بعدما أشارت استطلاعات رأي مطلع العام الجاري ــــ باعتراف فرعون نفسه ــــ الى امكانية خرق لائحة 14 آذار بمرشح من اللائحة الأخرى. قد يكون ما سبق كافياً لقوى 14 آذار كي تحسم قرارها في اعتماد وزيرين من الأشرفية، مقابل صفر وزراء للتيار الوطني الحر في هذه المنطقة: وزير السياحة ووزير الاقتصاد الكتائبي آلان حكيم، برغم أنه لا أهمية لتوزير الثاني اذا ما قورن بأهمية توزير فرعون. فالنائب الكاثوليكي كان قبل الوزارة شيئاً، وأصبح معها شيئاً آخر.

قبيل خمسة أشهر، تاريخ تأليف الحكومة، كان يمكن الحديث عن شابين عونيين طموحين يؤمنان بقدرتهما على خرق حصن فرعون. وكان يمكن الحديث عن مكتب خدماتي جدّي، وعن ماكينة انتخابية، وعن مجموعة من الشباب المتحمس لانجاح المعركة المفترضة. نجح هؤلاء، بشكل أو آخر، في خلق بيئة حاضنة للتيار في احدى المناطق التي لا يعوّل عليها انتخابياً. ومع تسلّم الصحناوي احدى أهم الوزارات الخدماتية، وزارة الاتصال، بدأ عمل الثنائي الفعلي على الأرض: عبس يدير المكتب الخدماتي بكل تفاصيله، والوزير يحرص على تسهيل مهمة زميله ومساعدته على تلبية حاجات الأهالي والمنطقة، من فرص عمل ونشاطات اجتماعية ومهرجانات ومساعدات متنوعة. فرضت الماكينة العونية نفسها خلال ثلاثة أعوام في وجه ماكينة فرعونية تعمل منذ نحو 18 عاماً، وتمكّنت من اللعب أحياناً في ملعب لائحة 14 آذار وازعاجها. وبناءً عليه، كان يفترض أن يترجم هذا الخرق في الصناديق الانتخابية، وعلى مستوى اللوائح المتنافسة، الا أن «السكرة» لم تدم طويلاً. أعادت الحكومة الجديدة عبس والصحناوي الى النقطة الصفر، وأيقظت زعامة فرعون النائمة ليستعيد نشاطه وشارعه، مستفيدا من «السياحة» لتغيير حدوده الجغرافية والتوسع خارج الأشرفية في اتجاه مختلف المناطق.

يجلس فرعون مبتسماً مكان الوزير السابق فادي عبود. يخرج من ملفه بعض المناشير التي وقعها في أرشيف الوزارة. يقلّب فيها مشيراً الى خرائط مفصلة للمناطق اللبنانية: «مبسوط كتير إني لقيت هالوراق». يقاطعه مستشاره الذي يدخل برفقة شابين مفتولي العضلات، يعرّف عنهما بـ «ولاد الأشرفية». سريعاً يلبي الوزير طلبهما مساعدته في مشكلة في الإكوادور! هل نقلت مكتب الخدمات من الأشرفية الى الحمرا (مقر الوزارة)؟ يضحك، هناك خدمات لا يمكن للمكتب تلبيتها بنفسه فيرسلها إلى الوزارة. وفي هذا السياق، قسّم فرعون فريق عمله الى قسمين، واحد في الأشرفية لمساعدته في الشؤون النيابية، والآخر كفريقه الوزاري. لا يبدو كمن يؤيد فصل الوزارة عن النيابة، «فالاثنتان تكملان بعضهما بعضاً»؛ بل يعلن بزهو «عودة الشرعية الى بيروت». ففي نظره، «وصول الصحناوي الى مركز المسؤولية بعد رسوبه في الانتخابات النيابية معاكس للتقاليد ومستفز للأهالي، وخصوصا أنه استعمل الوزارة لانهاض شارع ليس له». واذا ما وضعنا ما سبق على حدة، فإن فرعون لم يعجب أيضا بأداء منافسه في «الخدمات والتوظيف»، واصفاً تصرفه بـ «الوقح». وهو، إن كان يستقبل بعض المواطنين المحتاجين إلى خدمة ما، ويساعد البعض الآخر على الحصول على وظيفة، فمن خلال «الطرق القانونية: بس يكون في مباراة لأحد المناصب نبلغ الأوساط التي نعرفها».

سجلت الاستطلاعات احتمال خرق لائحة

14 آذار بمرشح واحد

فرعون: عادتلشرعية الى الأشرفية بسحب الوزارة من الصحناوي وتوزيري

«رجع» فرعون الى الأشرفية مسلحاً بوزارة قد لا تكون خدماتية في ما خص حاجات الناس اليومية، لكنها «تسهّل تواصلنا مع الوزارات الأخرى لتأمين المطالب التي يصعب للسياحة تأمينها». وعلى المقلب الآخر، بات في إمكانه حثّ زملائه على «تسريع بتّ مشاريع بيروت الانمائية، كمستشفى الكرنتينا وغيره»، و«التنسيق مع بلدية بيروت في مختلف المشاريع من دون عرقلة متعمدة من العونيين أو المحافظ». وهنا، ربما يكون فرعون أكثر المبتهجين باستقالة محافظ بيروت السابق ناصيف قالوش، وتعيين زياد شبيب مكانه.

ارتكز أحد مشاريع الوزير السابق فادي عبود على تنظيم السهر في بيروت، مما اضطره أحيانا الى مواجهة أصحاب المطاعم والملاهي الليلية، لكن فرعون ليس عبود. ويقول أحد أعضاء مجلس بلدية بيروت إن الوزارة أعادت الوضع الى ما كان عليه قبل عبود، وباتت أكثر تساهلاً مع هذا القطاع لما يقدمه من فوائد انتخابية. يثير ذلك استغراب فرعون. لا ينكر أنه يساعد مطاعم بيروت «وكل مطاعم لبنان على النهوض من الأزمة التي سببتها لها الحكومة السابقة: أهل الأشرفية مع السياحة والدولة القوية».

في المقابل، هناك من يرى أن «السياحة» لا تقدّم لشاغلها ربحاً يذكر انتخابياً بقدر ما تخدمه كصورة وجاهية فقط، اذ يستحيل أن يمرّ يوم من دون أن تكون صورة فرعون في احدى الصحف، وهو يفتتح فندقاً أو مهرجاناً؛ الاثنين في الجية، الثلاثاء في عاليه، الأربعاء في جونية، الخميس في جبيل، والسبت في طرابلس، والأحد في الضاحية! وذلك كاف في رأيه حتى يستعيد ما أفقده اياه الشابان العونيان في فترة قصيرة جداً، ومن دون الحاجة الى خدمات كبيرة فعلياً، فالناس يتأثرون بالصوت والصورة. قد يصحّ ذلك عند شريحة من المواطنين، لكن ما هو ثابت أن قوى 8 آذار فشلت في ادارة معركة الأشرفية، وتخلت عن مشروع «حصانين رابحين» في بداية السباق.

صحناوي وعبس: «داعش تنصرنا»

لا أحد ينكر، بمن في ذلك نقولا الصحناوي وزياد عبس، أن توزير فرعون مقابل خسارتهما الوزارة أطاح جزءاً من جهودهما في العامين الأخيرين، لكن ذلك لم يحبط من عزيمتيهما. فقد أصبح المكتب مكتبين بعدما تفرغ الصحناوي مجددا لمكتبه في مار متر: «صحيح أننا ما عدنا قادرين على تأمين نوعية الخدمات نفسها، لكن يقابل هذه الخسارة الجزئية ربح سياسيّ». الربح السياسي هنا هو «داعش»، الذي دأبت قوى 14 آذار على تبرير وجوده، فيما كانت للوزير فرعون نفسه تجربة فعلية معه، اذ رافق مؤتمره السياحي في فندق نابوليون في الحمرا ــــ بعد أيام قليلة على دهم قوى الأمن له بحثا عن انتحاريين ــــ تفجير انتحاريّ في فندق «دو روي» في الروشة. لذلك، يقول عبس، «نحن واثقون بأن الخدع السياسية التي رافقت انتخابات عام 2009 ما عادت تنطلي على المواطنين اليوم. لا بدّ للشعب أن يحاسب ممثليه على رهاناتهم الخاطئة، ولعبهم بمستقبل بلد بأكمله». في رأيه، الاختبار الأصعب «تخطيناه عندما استطعنا تحويل المستحيل الى ممكن في دائرة سبقنا اليها خصمنا منذ عشرات السنين». قد تكون خسارة الوزارة «أمراً سلبياً»، الا أن «التعاطي اليومي مع الأهالي، ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، لا تعززهما الوزارة أبدا، بل نحن».