IMLebanon

فرنسا وإيران والمثالثة

“مشروع تقاسم السلطة في لبنان على أساس المثالثة هو اقتراح إيراني وليس فرنسياً أو غربياً”. هذا ما قاله لنا مسؤول أوروبي بارز في باريس وثيق الاطلاع على هذه القضية.

وأوضح انه “المرة الأولى التي طرح فيها المسؤولون الايرانيون رسمياً على الفرنسيين اقتراحاً يقضي بإسقاط صيغة تقاسم السلطة بين المسلمين والمسيحيين على أساس المناصفة التي نص عليها اتفاق الطائف وكرسها الدستور، وتبني صيغة المثالثة بديلاً منها، كانت في تموز 2007 خلال زيارة قام بها مبعوث فرنسي رفيع المستوى لطهران موفداً من الرئيس نيكولا ساركوزي الذي كان بدأ تحسين العلاقات مع سوريا. وقال الايرانيون آنذاك للمبعوث الفرنسي إنه يجب التفكير في مستقبل أوضاع لبنان بصورة واقعية وجدية والتعاون بين طهران وباريس في هذا المجال والاقرار بأنه “حزب الله” بات القوة الرئيسية في هذا البلد الأمر الذي يتطلب تعزيز دوره ونفوذ الطائفة الشيعية من طريق التفاهم على تركيبة جديدة للسلطة على اساس المثالثة أي حصول كل من السنة والشيعة والمسيحيين على الثلث في عملية تقاسم الصلاحيات والمسؤوليات والمناصب وصوغ دستور جديد يكرس هذا التغيير مما يشكل تجاوزاً لاتفاق الطائف. ولمح الايرانيون الى أن هذا التغيير الجوهري يمكن أن يساعد على حل مشكلة سلاح “حزب الله”.

وأطلعت باريس آنذاك قيادات لبنانية على هذا الطرح الايراني وشددت على ضرورة التمسك باتفاق الطائف وصيغة المناصفة.

وفي العام 2009 زارت طهران ضمن جولة في المنطقة بعثة برلمانية فرنسية، فأثار معها مسؤول إيراني بارز مجدداً قضية المثالثة قائلاً: “ليس ممكناً أن يحرز أي تقدم في لبنان اذا ظل البعض يرفض الاعتراف بحصول تغيير في موازين القوى لمصلحة “حزب الله” و”الشيعة”. وظهر واضحاً أن النظام الايراني يريد نسف اتفاق الطائف الذي رعت السعودية عام 1989 إقراره ودفع الافرقاء اللبنانيين الى صوغ اتفاق جديد يكرس المثالثة، الأمر الذي يعزز نفوذ الشيعة ويقلص دور المسيحيين ونفوذهم. ولم يتراجع الايرانيون عن هذا الطرح بل إنهم ينتظرون الفرصة المناسبة لمحاولة العمل على تطبيقه”.

واستناداً الى المسؤول الاوروبي فإن فرنسا واميركا والدول الغربية والعربية المعنية بالأمر ترفض صيغة المثالثة وهذا مرده الى الأسباب الرئيسية الآتية:

أولاً – إن اللبنانيين في غالبيتهم الواسعة يرفضون التخلي عن المناصفة من أجل تبني المثالثة التي تهدد العيش المشترك وتقضي على النموذج اللبناني الفريد في العالم العربي لأنها تقلص دور المسيحيين ونفوذهم جوهرياً وتبدّل طبيعة العلاقات بين أبناء البلد. ولن تدعم فرنسا والدول الحريصة على مصير لبنان هذا الطرح.

ثانياً – إن اتفاق الطائف الذي كرّس المناصفة يلقى دعماً دولياً وإقليمياً واسعاً جداً وقد تبناه مجلس الأمن بعد صدوره عام 1989 لأن هذا الاتفاق أنهى الحرب الأهلية ودعم مشروع تعزيز الدولة ومؤسساتها والمصالحة الوطنية وإدارة شؤون البلد بطريقة تحقق التطلعات والمطالب المشروعة للشعب اللبناني بكل مكوناته. والفريق المتمسك بصيغة المثالثة عليه أن يفرضها من طريق القوّة والضغوط المكثفة مما يشكل تهديداً جدياً للسلم الأهلي ويمكن أن يفجر حرباً أهلية يخسر فيها الجميع. وترفض فرنسا والدول الأخرى الحريصة على لبنان اي انقلاب على اتفاق الطائف وعلى الدستور ضد ارادة الغالبية الواسعة من اللبنانيين.

ثالثاً – إن مشروع المثالثة مهدد بالسقوط داخل الفريق المفترض فيه أن يدعمه لأن القاعدة الشعبية للعماد ميشال عون لن تؤيد مشروعاً يضعف نفوذ المسيحيين ويبدل وجه لبنان. وليس واضحاً إذا كان عون نفسه يقبل بالمثالثة إذ انه يعارض اتفاق الطائف لأنه يريد منح المسيحيين المزيد من النفوذ والسلطات وليس العكس.

رابعاً – إن ما يحتاج اليه لبنان ليس انقلاباً على الدستور بل تحسين شروط المشاركة في السلطة بين مكونات الشعب. ويمكن العمل على تطوير اتفاق الطائف وإقرار تعديلات دستورية من أجل تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية شرط أن يتحقق ذلك من طريق الحوار الوطني وليس من طريق القوّة والمواجهة. وفرنسا مستعدة مع دول أخرى للمساعدة في هذا المجال إذا طلب اللبنانيون ذلك.

وخلص المسؤول الاوروبي الى القول: “إن مشروع المثالثة جدي لكنه غير قابل للتطبيق بل انه مجرد وسيلة من وسائل الضغط على الأفرقاء المعارضين لسياسات حلفاء طهران”.