عندما يحضر “المونديال” تصبح رؤوس عدد كبير من اللبنانيين اشبه بكرات برازيلية، ففي الوجدان اللبناني ومنذ بداية الهجرة الى بلاد البن والكشّة ان اسطورة البطولة العالمية ستبقى ملكاً للبرازيل التي ترقص على الملاعب الخضراء بسحر يضاهي السامبا.
لكن لأن خسارة واحدة يمكن ان تهدم تاريخاً، لم يكن من الغريب ان تدخل البرازيل بعدما هزمت امام المانيا بطريقة “كارثية ومريعة ومذلّة”، كما قال مدربها الوطني لويز فيليبي سكولاري، اسبوعاً من الاحزان والآلام، لن يزيل الجرح الذي سيظل ينزف حسرة من قلوب البرازيليين، كما كانت عيون حتى الاطفال تنزف الدموع في المدرجات المصدومة حتى الاعماق.
[7 – 1] يا للهول، يسقط تاريخ كروي برازيلي عريق وتصعد ذكرى كروية تاريخية المانية ساحقة، “فلقد هزمنا البرازيل على ارضها وامام جماهيرها المفجوعة بطريقة ستذهب مثلاً”. سكولاري يقول في المقابل: “سيظل الجميع يتذكرون اسمي وهذا اسوأ ايام حياتي، انها هزيمة قاسية واطلب من الشعب البرازيلي العفو فأنا المسؤول… والحياة لن تتوقف بعد هذه الهزيمة”!
لكن اشياء كثيرة في مشاعر البرازيليين ستتوقف، على الاقل ذلك الاحساس بالزهو والفخر، وهذا القبض المنفرد على تاريخ طويل من البطولة والعروض الساحرة، التي يستطيع الفقراء ان يصنعوها وفي إطار منافسات شريفة!
كم تكون المصادفات ماكرة أحياناً، فلقد شاهدت كما شاهد الكثيرون قبل ايام رجال “داعش” وهم يلعبون كرة القدم في أرض مفلوحة في إحدى المناطق السورية، ولهذا لن اكون خبيثاً اذا كنت قد تصورت بعد [7 – 1] ان المانيا لم تلعب مع البرازيل ولكن مع فريق “داعش” البرازيلي، وليسامحني كل الذين نكّسوا الاعلام وأعلنوا الحداد في هذه الايام، وقدموا البخور والنذور على نية ان تلقى المانيا الهزيمة امام الهولنديين الذين تربوا على زهر التوليب، او امام الارجنتينيين الذين لا يعرفون منهم سوى اللاعب ليونيل ميسي الذي يرتدي اولادهم قمصانه بفخر!
في أي حال ظلّ جارنا ابو فنيانوس بائع الخضار القادم من عكار، يطلق النار ابتهاجاً يفوز الألمان ويعكر النوم على الحي حتى الرابعة صباحاً، بينما كانت أصوات المفرقعات ترتفع في بعض الاحياء البيروتية شماتة او فرحاً، ويمكنني القول ان النيران التي اطلقت في لبنان، حجبت أصوات القذائف التي كانت تطلقها طائرات العدو الاسرائيلي على غزّة.
واذا كان الذين علّقوا العلم البرازيلي على شرفات بيوتهم وسياراتهم سينزعونه الآن بحسرة وعلى استحياء، ولبنان اشبه بأمم متحدة هذه الايام بسبب غابة الاعلام [إلاّ الارزة]، فلست ادري ماذا سيفعل الذين علّقوا العلمين البرازيلي والألماني… اي علم يحرقون وفي اي اتجاه يطلقون الرصاص!