IMLebanon

في أعطاب اللبنانيين!

 

شعب المبالغات اللبنانيون. فيهم جينة الاستطراد والاستلاب والتماهي مع أمانيهم ومعتقداتهم وتمنياتهم وأهوائهم. أصوليون بمعنى ما. وواهمون بمعنى ما. ومحكومون بعقد نقص بمعنى ما. وهذا تحديداً يدفعهم دائماً إلى توسّل الكمال في الاستعارة والتقليد والتشاوف الفارغ.

اندفاعيون وغرائزيون ومتناقضون في الوقت ذاته. يذهبون في كل شأن إلى الآخر.. حتى إلى الحرب دفاعاً عمّا يعتقدون ويؤمنون به: هويّتهم أو هواهم. معتقداتهم أو مذاهبهم. طوائفهم أو أحزابهم. وعلى المستوى ذاته، هم أكثر شعوب العالم تقليداً و«انفتاحاً»! أي أكثر الناس تقبّلاً لما ليس من صنعهم ولا من إنتاجهم ولا من عندياتهم!

مَن يتابع ما يحصل في لبنان مع كل دورة نهائيات كأس العالم يتيقّن من ذلك الخلل المكين في التركيبة والذهنية ونمط التفكير والمشاعر.. وليست «هواية» رفع أعلام الدول المشارِكة في البطولة سوى الشكل المهرجاني المبهرج لذلك المضمون الكئيب.

لا توجد دولة واحدة فوق هذه الأرض تجري فيها تلك الطقوس الغريبة.. تُرفع أعلام دول أخرى فوق مداخل الفنادق وفي بعض المنتجعات السياحية، وأمام المؤسسات التابعة للأمم المتحدة وفي الزيارات الرسمية، أمّا غير ذلك فيُعتبر رفع علم أجنبي في غير موضعه، في أي بلد غير لبنان، أمراً غريباً، مستهجناً، غير مفهوم ولا مهضوم! ويدلّ بالتأكيد، وفي أدنى الحالات، على عطب أو مشكلة في شخصية الفاعل!

عندنا؟ الوضع عصيّ على الحصر!

قبل سنوات قليلة «شنّت» قوى 14 آذار حملة لرفع العلم اللبناني فوق المباني السكنية وعلى الشرفات كتعبير عن نَفَسٍ سيادي مضادّ للوصاية والأوصياء. كان التجاوب معقولاً لكنه لا يُقارَن، بأي قياس، بما يفعله اللبنانيون عند كل دورة لكأس العالم في كرة القدم!

كأنّ هناك شيئاً يشبه الهروب الجماعي لجحافل المشجعين من ذواتهم.. كأنّهم يكرهون حالهم ويريدون أي «عدو» حتى لو كان مشجّعاً لفريق أجنبي آخر، كي يعبّروا عن تشفّيهم وغربتهم ولتتويج قمّة التناقض المسكون في شخصيّاتهم: يرفعون أعلام دول أجنبية ويذهبون في التشجيع والتأييد مذاهب الغلوّ والتطرّف في الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي وفي حواراتهم وجلساتهم ودردشاتهم ودورياتهم السيّارة في شوارع المدن المضاءة بمولّدات الكهرباء. وهم ذاتهم، هؤلاء الانفعاليون، المبالغون، لا يستطيعون الجلوس في قاعة رياضية واحدة، مع ابن منطقة لبنانية «أخرى»! أو ابن طائفة أخرى! أو مشجّع للفريق «الآخر» في كرة السلّة أو كرة القدم! بل انّ كل حضور «جماهيري» لمباراة في السلّة مثلاً هو مشروع حرب أهلية بين الطوائف والمذاهب وداخل الطوائف والمذاهب!

مَن يرفع علم البرازيل أو الأرجنتين أو ألمانيا أو هولندا أو إسبانيا، لا يستطيع رفع مستوى تقبّله للبناني آخر يرفع علم «الحكمة» أو «الرياضي» أو «النجمة» أو «الإخاء الأهلي» أو ضرّاب الطبل!

.. طُرق قراءة هذه الطقوس متعدّدة لكنها بالتأكيد تنطلق من أساس هو علم النفس الخاص بالأفراد والجماعات! لكن حتى في هذه القراءة، يبدو أمر اللبنانيين أغرب من أن يُقبل أو يُفهم أو يُصدَّق! ولو؟!