تُطبق حقائق الأرض وحدودها المتحركة، في الميدان والعسكرة والغزو، وتلك الثابتة في مكانها الجغرافي، على تمنيات وآمال وأماني صنّاع القرار في المشروع الإيراني الجامح من دون كوابح، والمتطلع إلى بلع ما فوق طاقته الاستيعابية ومعدته الرخوة.
والواضح أن الوعود الزلزالية الإيرانية التي أعقبت انهيار سلطة المالكي في مساحة توازي نصف المساحة الوطنية العراقية، لا تزال في مكانها وعند أبواب الاحتمالات القصية والصعبة. بحيث إن الوقائع لا تزال أقوى وأبقى والأيام تزيدها قوة وبقاء واستمرارا. وكل ما فعلته إيران إزاءها وحيالها، لم يؤدِ فعلياً سوى إلى انكشاف المزيد من تخبّط شعاراتها وارتباك قراراتها.
ومفيد التأكيد مجدداً بأن انهيار المالكي وأدواته لم يكن وليد ظاهرة «داعش» ولا الائتلاف الواسع والعريض المضاد الذي قاد حركة الانتفاضة في الأنبار ونواحيه ومدنه وقراه وبلداته فقط، إنما كان في الأساس رداً من الصحن المذهبي ذاته الذي أكلت منه إيران وتوابعها. وهذه قضية فوق السياسة ومناوراتها وحساباتها.. هذه تلبية قسرية لنداء الفتنة الذي أطلقته الممارسات الإيرانية في كل ناحية من نواحي العرب وتوّجته بصلف في سوريا، وقبلها بحدود أدنى، في لبنان وقبله أو معه، في اليمن وفي البحرين وفي العراق منذ ما بعد الاجتياح الأميركي له في العام 2003.
الطموح الإمبراطوري استند إلى العامل المذهبي من دون رتوش أو أقنعة، وتكفل بنفسه في تخريب الأقنعة الواهية التي غلّفته وصولاً إلى حد تهافت قصة «المقاومة» في وجدان العرب والمسلمين وأهل دول الطوق قبل غيرهم.. وبالتالي كان المسرح مكتملاً ومهيئاً لاستقبال المد المعاكس. وهذا عندما وصل كان صادِماً ووضع الإيرانيين وأدواتهم وملحقاتهم أمام خيار الفتنة الفعلية الذي لم يكن مطروحاً سابقاً بكل هذا الزخم. كان الخوف منها، عند الطرف المقابل لإيران، هو أحد أسلحة إيران! الخوف الضميري والتاريخي وليس المباشر والنزالي، بحيث إن أحداً لا يستطيع أن ينكر أن «الآخرين» فعلوا كل ما يمكن من أجل ردّ الإيرانيين عن صلفهم ودفعهم إلى مسلك تسووي يقي المنطقة وشعوبها من تجرع تلك الكأس المسمومة.. لكن ذلك كان عبثاً بعبث، ولم يرضَ أو يقتنع أو يصدّق أباطرة الممانعة (المذهبية!) أن سلاحهم يمكن أن يستخدم ضدهم وبطريقة أفعل من طريقتهم! وبشكل أشد قساوة وعنفاً وضراوة!
وصول الأمور إلى هذا المستوى المكشوف وضع إيران وجهاً لوجه أمام المأزق الذي لا تريده، وخيارها الوحيد الآن هو الرضوخ لمنطق الحقيقة ونبذ منطق الوهم، وذلك يعني التواضع أمام الكارثة لتجنب ما هو أسوأ… والباب لا يزال مفتوحاً.