لن يطول الأمر قبل أن يكتشف الايرانيون، أكثر فأكثر، ان «استثماراتهم» في العراق وسوريا وُضعت في سلّة مفخوتة، أو في دلو ماء مليء بالثقوب، وان ما يفعلونه في البلدين هو تماماً، مُراد بل جُلّ مُرتجى كل متضرري وضحايا سياساتهم في العقود الثلاثة الأخيرة… وان النتيجة الأخيرة لذلك لن تكون سوى الإفلاس!
شاهدنا هذا الفيلم من قبل: الامبراطورية السوفياتية كانت واقعاً وليست مجرّد مشروع طموح، ومع ذلك نخرتها سوسة القراءات الغلط والأدوار المكلفة والتركيبة الهجينة لأداء اقتصادي متخلف مع أحادية سياسية أكثر تخلفاً. وعند أول خريف سياسي عسكري اقتصادي فعلي هرّت مثل ورقة على شجرة يابسة عند رصيف التاريخ.. وذكاء الليبرالية والسوق المفتوحة.
نَمَتْ تلك الامبراطورية على أخطاء وخطايا الغرب أكثر من الدفع الذاتي! واستمرت على مدى عقود تستثمر ايجاباً في سلبيات الخصوم والأعداء، واعتمدت في ذلك منهجاً كان الوحيد الناجح في منظومة فشلها: استنزفت الامبراطورية الاميركية في كل أتون أمني أو عسكري تورّطت فيه هذه، من جنوب شرق آسيا الى أميركا الجنوبية الى الشرق الاوسط الى افريقيا: ركبت على الموجة «التحررية» ووجدت امامها اسواقاً مفتوحة على مدّ النظر لترويج بضائعها التسليحية و«الفكرية»!
لكن افغانستان كانت أول امتحان ميداني حاسم تنقلب فيه الأدوار.. وآخر امتحان: دخلت الامبراطورية السوفياتية بجيشها الاسطوري الى هناك ولم تخرج إلا محطمّة تماماً! فعل بها الغرب ما فعلته هي تماماً به على مدى عقود وأكثر: استنزفها بالدم والنار حتى كرسحها! فيما كان مشروع التسليح الفضائي الذي أطلقه الرئيس رونالد ريغان (متأثراً بسلسلة أفلام حرب النجوم!) يكشف في الجانب الآخر هشاشة الاقتصاد الاشتراكي ومقدار عجزه.
القصّة الايرانية مشابهة في الشكل الى حدّ كبير: استثمر اصحابها و«كتّابها» في التورط الاميركي في العراق، ثم في السلبية الأوبامية في سوريا، وقبلهما في العجز (أو انعدام الرغبة وغياب القرار) عن إيجاد حل للقضية الفلسطينية، وركبوا أيضاً موجة التحرّر والمقاومة والممانعة.. الخ. ثم حاولوا تسويق بضاعتهم الخاصة، لكنهم في حقيقة الأمر دخلوا في ممر غير نافذ، استنزافهم فيه لن يعوّف شيئاً. وكلّما افترضوا «انتصارات» و«إنجازات» و«نجاحات» إلهية ووضعية، جاءهم نبأ بغير ذلك! وكلما ظنّوا ان طريقهم صارت آمنة، خرج عليهم من كل جانب، قنّاص ماهر ليقطعها ويذكّرهم بوحشتها وخطورتها وطولها واكلافها!. وكلما افترضوا ان بضاعتهم راجت، جاء من يقول لهم ان السوق مشبّعة وان بيع المياه في حارة السقَّائين مهنة الغرّ والمبتدئ والغاشي! عدا عن ان بضاعتهم في ذاتها لا تتناسب مع السوق ولا مع أهله أصلاً وفصلاً!
الفظيع في هذه المناحة الدموية الصاخبة، هو ان لعبة الصبر وطول الأناة التي يُقال انها جزء من طبيعة حائك السجّاد الايراني، انتقلت إلى الآخرين: الولايات المتحدة ستتفرج في العراق مثلما تفرّجت في سوريا. وستطيل الجلوس على الشرفة طالما ان السارح تحتها في الميدان، يتلوى ويئن، ليس سوى الحائك الذي ظنّ ان السجّادة التي حاكها في البلدين، عصيّة على التمزيق والحريق والغريق!