عال! سيفترض أكثر الممانعين تفاؤلاً وانبساطاً وانشراحاً أن بشار الأسد بدأ رحلة العودة الى منصبه الذي كسرته الثورة السورية وأحالته حطاماً مستوياً على كومة سلطات أمنية واستخباراتية وإعلامية ليس إلاّ… وانه يترجم فعلياً وعلى الأرض «انتصاره» الأخير في الحرب من خلال انتصاراته المتفرقة في معارك كبيرة وأساسية وآخرها حمص القديمة!
وسيفترض معظم الظالمين الذين وظّفوا كل نصّ وبيان وفقه وتعويذة ومال وسلاح ورجال للدفاع عن الأسد وحاشيته وربعه، ان محورهم قتّال بطّاش لا يصدّه شيء وان نفَسَهم الإسبارطي المستند الى شحن تعبوي لم يهدأ ولم يكلّ أو يملّ منذ أكثر من ثلاثة عقود، يثبت مرة تلو مرة وموقعة تلو موقعة وبلداً تلو آخر، انه أطول وأبقى من نَفَس الآخرين! وأنهم في النتيجة يُعيدون تصويب التاريخ وتصفية حسابات قديمة عالقة في دفتره… ويحيلون الركام والحطام المقدّس مكان البنايات العدائية القائمة عند جغرافية الفتنة منذ الأيام الأولى لحروب السلف الصالح وانقساماته الأبدية!
وسيفترض أصحاب ومالكو ذلك القوس النشّاب والوتر المشدود من طهران الى الضاحية الجنوبية لبيروت مروراً بالطريق الممتد من عاصمة العبّاسيين إلى عاصمة الأمويين… سيفترض هؤلاء أن أوراقهم المكدّسة من ركام الحروب الأهلية الإسلامية (الاسم الفني للفتنة المذهبية الصافية!) هي مصدر قوتهم التفاوضية في مشروعهم الامبراطوري وهي لغلاوتها وقيمتها وثرائها، لن تُرمى بالمفرّق وإنما بالجملة ولن تُعطى للهامش (العربي والإسلامي الأهلي!) وإنما للأوروبيين والأميركيين. وبالتالي فإن الدنيا باقية على حالها دار حرب ونِزال ونزاع حتى ساعة تحقيق المبتغى… أو حتى قيام الساعة!
لكن الغريب هو أن هؤلاء في جملتهم يأخذون من التاريخ ما يناسبهم وينسون الباقي. ويطوّعون الذاكرة على قياس خطابهم وشعارهم وينفون كل نقيض. وبالنتيجة يرتكبون ما ارتكبه من سبقهم وأدى بهم الى الاندثار والاندحار: أربعة أمثلة من عشرات. الأول صدام حسين الذي «انتصر» ضد انتفاضة شعبان (الشيعية والكردية) عام 1991! وآرييل شارون الذي «انتصر» في بيروت عندما «طَرَدَ» الفلسطينيين منها عام 1982! وجورج بوش الذي «انتصر» عندما غزا العراق في آذار 2003! وقبله «الجيش الأحمر» الذي «انتصر» عندما غزا أفغانستان في العام 1978!
رغم اختلاف التفاصيل فإن الجوهر واحد: أَكَلَ الخواء هؤلاء المنتصرين ومضغهم وارتاح. لم يعوّض بأسهم الدموي وبلاغاتهم الميدانية، النقص في أساسيات الحياة في بنيانهم وطبائعهم وارتكاباتهم وأوطانهم… فأهلكتهم «انتصاراتهم».
… ثم في الأساس، وقبل كل ذلك الاستطراد: أي «انتصارات» تلك وإسرائيل في أحلى أيامها… ودماء العرب والمسلمين وصلت الى الركب؟! يا عاركم!
علي نون