IMLebanon

في التاريخ و«سكّانه»!

 

يمكن من يشاء أن «يعيش» في كتاب التاريخ، لكن عليه أن يدفع الثمن: غربة عن الحاضر والواقع تجعل الفرادة صنو الانتحار!

وهي مفارقة لا تني تتكرر بعبث وفظاظة: هؤلاء الذين يطوّعون الحاضر إستناداً الى قراءاتهم التاريخية الخاصة، يجترّون الخسران فيما ظنّهم الانتصار! ويكرّسون التخاذل فيما ظنّهم الانجاز! يستعيرون عنواناً سياسياً راهناً لتغطية غريزة الانتماء المذهبي الأول! ويؤدلجون إرتكاباتهم الجرمية الفئوية المنفرة تحت أستار من الكلام الطيّار عن «الجماعة» و«الأمة» والمخاطر والتحديات «المشتركة» التي تواجهها!

والحاصل هو ان لا شيء أمرّ من الإقامة في التاريخ لكن مع تلوين جدرانه بالحداثة! بحيث ان ذلك غدرٌ بالذات هو أحط أنواع التزوير وأكثرها غباءً وطيشاً: من يركّب الماضي على الحاضر ليبني مستقبلاً على هواه لا يفعل سوى ذلك. واعياً أو جاهلاً يغدر بنفسه قبل الآخرين. يفترض ان هؤلاء (الأعداء والأخصام والأضداد والأنداد) دونه في الفهم والادراك والبصر والبصيرة. ومصابون بعمى الألوان. ولا يميزون بين السياسي والديني. ولا بين النوازع الذاتية الخاصة وتلك العامة الجامعة! ولا يعرفون بدورهم كيفية الاستناد الى ذلك الماضي ولا التركيبة الذهنية القادرة على تحويله حاضراً، الى سلاح مضاد فتّاك، بل أشد فتكاً!

.. يغدر بنفسه قبل الآخرين، من يمشي الى الأمام وهو ينظر الى الخلف! ويجعل تمايزه الفقهي برنامج عمل سياسي! و«سيرته» الدينية خطّة حربية! و«تراثه» التعبوي جدول اعمال في عالم مكتظّ بمشاريع التكفير والتخوين والابلسة والأسرلة! من يبني على واقعة ذاتية إنجازية (كهزيمة اسرائيل مثلاً) ليحاول أن يُعمّم «مشروعه» بكل التباساته وارتباطاته وتوظيفاته وتخرّصاته.. ومن يبني على وهن عابر عند «الاغيار» ليؤكد وهمه بالقدرة على فرض مشيئته عليهم بالقوة القهّارة! من يجعل شعوره بـ«المظلومية» شعاراً للظلم ورخصة بالقتل.. من يجعل من الطاغوت صاحب «حق»! من يسكر بعسكره وينسى ان صاحب الخمّارة موجود وهو أقوى منه! من يجعل الصلف والجفاء والنار والأسيد عدّة لغة التخاطب.. من يجعل صاروخه مكان لسانه! وحديده مكان فؤاده! وتنظيمه مكان عقله! من تأخذه العزّة بالحشد والبنيان المرصوص الى الشرذمة وشطط التفتيت! ومن يعتبر ان التاريخ عبوة ناسفة تُركَّب على ميزان المجرم وهواه! من لا ينتبه الى انه جدول صغير متفرع من نهر جارف!

.. من يعيش في التاريخ، ولا يتعظ من ضجيجه وعِبَره، من يفعل كل ذلك، يُحوِّل ويحوّل بيديه الفرادة الى سلاح لقتلها.. ولانتحاره!