أيّاً تكن الظروف وراء إطلاق مزيد من الصواريخ «اللقيطة» على شمال إسرائيل من جنوب لبنان والجولان، فإنّ القيادات العسكرية المكلّفة أمن منطقة جنوب الليطاني بالتعاون مع قوات «اليونيفيل» تجزم بأنّ الوضع تحت السيطرة. ومهما حصل فإنّ الهدوء الذي ينعم به الجنوب قائم وفق معادلة لا تخضع للنقاش. فلماذا كلّ هذا الإطمئنان؟
تزامناً مع العمليّات التدميريّة التي يقودها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة والتي عبرت شهرها الأول، ستبقى أصوات الصواريخ «اللقيطة» تتردَّد تحت جنح الظلام في سماء الجنوب من وقت إلى آخر وهي في طريقها الى شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فعلى رغم حجم الإنتشار الذي تُنفّذه قوات «اليونيفيل» والجيش اللبناني، فإنّ بعض المجموعات الفلسطينية واللبنانية ما زال ينعم بقدرة الوصول الى بعض الأودية والبساتين ليُطلق صورايخه من دون أهداف واضحة ودقيقة.
هذا ما يعرفه القاصي والداني وتترقّبه وحدات الجيش والقوات الدولية من دون أن تتمكن من منع عمليات لا تحتاج لأكثر من دقائق معدودة. فالسيطرة على أودية المنطقة وبساتينها أمرٌ مستحيل لكنّ هذه الوحدات تراقب مجموعات «شاردة» متفلّتة من أيّ قيادات معروفة تمتلك بعضاً من هذه الصواريخ التقليدية القديمة.
ويُدرك الجميع بمَن فيهم قادة الوحدات الدولية أنّ الجيش اللبناني لا يتهاون مع هذه المجموعات مستنداً الى قرار سياسي واضح وصريح بالتزام مقتضيات القرار 1701 مهما كانت الكلفة. وهو ما أجمَعَت عليه السلطات العسكرية والسياسية والحزبية بدليل أنّ «حزب الله» يشارك كلّ مرة في البحث عن مطلقي الصواريخ، وقد ساهم مرات عدة في اكتشاف مطلقيها من دون إعلان ذلك.
عدا عن التزامه القائم أمن الجنوب على رغم ما حصل ويحصل في مسلسل الحروب الإسرائيلية – الفلسطينية والتي لم يتدخل فيها منذ حرب تموز 2006، وهو يكتفي بالدعم السياسي والإعلامي واللوجستي.
وتبني هذه المراجع حجم اطمئنانها بالعودة الى الضمانات التي تملكها لجهة أنّ أيّ خرق كبير لمقتضيات القرار 1701 غير وارد على رغم الخروق الإسرائيلية، وما يُعزّز هذه النظرة المطمئِنة هو انشغال إسرائيل بحربها في غزة بلا غطاء دولي وأممي.
وهي تحصي بيانات الإدانة لممارساتها وإجرامها بحقّ المدنيين ومراكز إيواء اللاجئين التابعة لرعاية الأمم المتحدة، إضافة إلى أنها لا تتمتّع بغطاء اميركي كالذي كانت تنعم به، لا بل هناك اعتقاد بأنّ الإدارة الأميركية تُحمّل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مسؤولية الحرب الأخيرة وهي تتفرَّج على تخبّطه فيها.
لذلك، فإنّ اسرائيل التي تبحث عن حلٍّ لمأزق غزة ولا تجده، سعَت في الأيام الماضية الى الهروب الى الأمام عندما أرسلت فوق «مفاعل ناتانز» النووي طائرة «شبح» في عمليةٍ وصفتها مراجع ديبلوماسية بأنها «بهلوانية» عجزت عن إيصال رسالة مباشرة الى ايران، لا بل زادت من مأزقها في غزة والمنطقة في انتظار تفاعلاتها الداخلية السلبية على حكومة نتنياهو.
من هنا، تعرف دول المنطقة ومعها العالم أنّ التطورات الأخيرة في غزة كانت بقرار إقليمي قادت اليه القوى المناهضة لإسرائيل، تتقدّمها ايران، التي وجَّهت رسالة قوية الى اسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية مفادها أنها لن تقبل بقيام دولة «داعش» على حدودها وفي «عراقها».
وهي قادرة على تفجير المنطقة، بعدما أكّدت في حرب غزة أنّ قدراتها لا تقف عند الحدود الشمالية لإسرائيل عبر جنوب لبنان، بل هي حاضرة في عمق الجنوب الإسرائيلي ويمكنها المسّ بأمنها القومي ومفاعلاتها النووية وقواعدها العسكرية ومدنها كافة.
وبناءً على ما تقدّم، هل يعتقد أيّ لبناني او أيّ مسؤول آخر أنّ إسرائيل قادرة على فتح جبهات جديدة في جنوب لبنان؟ بالتأكيد لا، ولكن يحقّ لها الإعتراض ولذلك ستكتفي بالتهديد الذي وجَّهته الى الحكومتين اللبنانية والسورية إرضاءً لجبهتها الداخلية.
ولذلك، سيبقى الهدوء مسيطراً على الجنوب الى أن تتغيَّر المعطيات. وليس هناك ما يُوحي بتبدّلات دراماتيكية. فـ»حزب الله» منشغل في سوريا وهكذا يتساوى الطرفان بانصرافهما عن أمن المنطقة لتنعم بهدوء ثابت لم تعشه منذ عقود من الزمن.