IMLebanon

في «الحزب القلق»

 

لم يخطئ من افترض أن «حزب الله» متوتر ويوتّر دنيا اللبنانيين معه. وقلِقْ ويعمّم قلقه على أوسع مدى ممكن. ويُخطئ في القراءة السياسية ويحمّل الآخرين تبعات أخطائه. ويراهن ويدفّع الأغيار الأثمان. ويلعب «الغمّيضة» في وضح النهار ويفترض أن الناس حيارى إزاء مكانه المكشوف ومكانته التي تمر في أخطر الامتحانات وأصعبها.

يَكثُر الضخّ التحليلي في هذه الأيام إزاء سياساته وممارساته، لكنها في مجملها تنطلق من ركيزتين واضحتين. الأولى تورّطه في سوريا والثانية «انتظاره» نتائج البازار المفتوح بين إيران والولايات المتحدة. والأمران في القراءة الهادئة البعيدة عن الصراخ والتوتر والكيد، يحملان حُكماً ما يكفي ويزيد من بواعث القلق.

في تورطه السوري أثمان فادحة، لا يُقلّل من فداحتها أنها تُدفع بالتقسيط. على المستوى البشري والمادي عدا السياسي والمعنوي والتعبوي بحيث إنه يصعب (مثلاً)، تصديق عدم تأثره أو رؤيته مستوى الدرك الذي بلغته «صورته» في الوجدان العربي والاسلامي العام بعد أن تحولت من صورة مقاوم ضد اسرائيل الى صورة تنظيم مذهبي! مُشارك مُساهم فَاتِكْ بشعب سوريا الأعزل، وملتحق بسياسات إيران التي لم تنتج إلاّ الأذى للمنطقة وشعوبها، ولم تُوصل إلاّ الى الفتنة، ولم تُفِدْ إلاّ مشاريع التفتيت والشرذمة الموضوعة (سابقاً) وحصرياً في خانة الاسرائيليين و«أعداء الأمة».

مقتضيات الحصافة والحكم السوي تدفع الى افتراض، أن الحزب قلق إزاء تلك الأثمان وإزاء الكيفية التي يعوّضها فيها.. وان ذلك همّ فعلي وحقيقي ويُدرَس بتمعّن وهدوء(؟) برغم ان هذين المعطيَين مطمورَين دائماً بضجيج الأداء العلني ودربكة الخيل ورنين السيوف الممشوقة والمشرّعة أبداً على الوغى وساحاته!

غير أن القلق المتأتي من التورط في سوريا على كُبره وثقله، يبقى أخفّ وأصغر من ذلك الذي تسببه الانعطافة الإيرانية المركزية نحو التفاوض مع الولايات المتحدة. ولا يفيد التفلسف كثيراً في هذا المضمار: إيران سارت مضطرّة على ذلك الطريق. ومصالحها العليا حكمت وتحكم إشارات المرور. والهدف المعلن المتعلّق بالملف النووي لا يمكن فصله عن باقي الملفات المشكّلة لتلك المصالح، وفي مقدّمها وأبرزها ذلك الخاص بـ«حزب الله»..

العلاقة بين إيران و«حزب الله» ليست علاقة تاجر ببضاعته. ولا علاقة صاحب حِرفة بعدّته. بل هي، ومن دون أي أوهام، عميقة وعضوية وجذرية ومسبوكة في قوالب الارتباط الديني أولاً وأساساً.. لكن ذلك كله على صحّته التامة، لن يجعل الحزب في أي لحظة، أكبر أو أهم من المصالح الايرانية العليا، ومن ضروراتها وأحكامها.

وتلك الأحكام والضرورات التي فرضت «التفاوض» مع «الشيطان الأكبر»، لن تقف أمامها شروط تتعلّق على الأقل، بـ«تغيير وظيفة حزب الله» وسلاحه!

طبيعة ذلك التغيير تقلق الحزب.. أو بالأحرى يجب أن تدفعه الى القلق!