هناك ضروب من الوقائع تتوالى في حرب غزّة وأمام شعوب المنطقة وتسجّل في مجملها مستجدّات مربوطة بخيط واحد يشدّ كل عناصرها في عروة وثقى.
من تلك الضروب أن يخسر الجيش الإسرائيلي في غزّة في غضون أيام معدودة أكثر ممّا خسر على مدى سنوات وعقود وأن «يردّ» على ذلك بتكثيف استهداف المدنيين الفلسطينيين وتصعيد ذلك وصولاً إلى قصف مستشفى ومدرسة لـ«الأونروا»، بعد أن استهدف حي الشجاعية وكأنّه ساحة حرب، وعائلاته ومدنييه وكأنّهم عسكر مرصوص يقاتل ولا يتراخى!
ليست جديدة العربدة الدموية الإسرائيلية ولا الانحطاط المغلّف بادّعاءات التفوّق، لكن المعادلة الميدانية الجديدة في غزّة جديرة بالمتابعة والاحترام خصوصاً وأنّها زادت على خواء الادّعاءات الإسرائيلية بالتفوّق البشري، خواء الادّعاءات بالتفوّق الميداني، فعلياً وليس على طريقة الطيب الذكر المرحوم أحمد سعيد.
المعادلة واضحة وأرقامها أوضح. «حماس» تصدّت وقتلت وجرحت من جنود إسرائيل العشرات. في حين لم يُعلن عن مقتل مدني إسرائيلي واحد برغم القصف الصاروخي اليومي على مدى أسبوعين وأكثر. في المقابل لم يستطع «الجيش الدولة» تسجيل أو توثيق قتل أو أسر مقاتل واحد من «حماس» في حين بلغ عدد الضحايا المدنيين الذين استهدفهم، المئات من القتلى والآلاف من الجرحى.. طبعاً هناك شهداء لـ«المقاومة» لكن للمرّة الأولى في غزّة يمكن الافتراض أن عددهم يقارب إن لم يكن أقل، من قتلى الإسرائيليين!
.. للمرّة الأولى فعلياً، تسجّل الآلة العسكرية الإسرائيلية انكساراً ملموساً ومحسوساً على الأرض في غزّة. وللمرّة الأولى فعلياً يمكن البناء على معادلة الوحدة الوطنية الفلسطينية القائمة على برنامج مشترك ومقاومة غير مألوفة سابقاً، ومفاوض غير مقطوع من شجرة ولا يبدو مثل يتيم وحيد لا عضد له ولا سند.
بعد ذلك.. واضح أنّ إسرائيل أرادت من ضمن ما أرادته من حربها على غزّة، أن تدمّر المصالحة التي جرت أخيراً بين الضفة والقطاع، و«حماس» و«فتح»، و«المقاومة» والسلطة الوطنية، فلم تفعل سوى ترسيخها وتمتينها، جاعلة من خسائرها أيقونة فرح فلسطينية وعربية، خصوصاً وأنّ تلك الخسائر ستكبر أكثر كلما طالت هذه الحرب.. يا الله!