وَجَد بعض الممانعة وقتاً مستقطعاً من انشغالاته السورية كي يتذكّر أنّ «المقاومة» في المفهوم اللغوي التعريفي البديهي المتراكم عند عموم العرب والمسلمين هي تلك المضادّة لإسرائيل.. ونقطة على السطر!
لكن يكفينا في لبنان أولاً، وربما في غزّة ثانياً، أنّ ذلك التذكّر لن يتمدّد باتجاهات «تضامنية» أبعد مدى من الحدود اللفظية الراهنة! وأبعد وأبعد وأبعد في المرامي والغايات من قصّة المشاركة في التصدّي للعدوان، أو الاستعداد لـ»التعاون لإفشاله»!..
تكفي الإدانة الراهنة (في ذاتها) ولا تحتاج إلى مزيد، حيث للمرّة الأولى في تاريخ النزاع المصيري المفتوح مع إسرائيل يمكن لـ»منطق» صهيوني صرف أن يعيّر «مقاومة» (غير فلسطينية) بما فعلته وتفعله بـ«أهلها» و»محيطها» و»بيئتها» و»شعبها» و»أمّتها»!.. كما يمكنه أن يعيّر الممانعة في أساسها بـ «إنجازاتها» التفتيتية المبنيّة على منطق أقلوي، الميدانية والسياسية والفكرية والدينية، التي حققتها خارج الخارطة التقليدية المألوفة منذ ستة عقود ونيّف!.
بمعنى ما، دخلت الممارسات والارتكابات والجرائم الإسرائيلية، للمرّة الأولى في تاريخها (الفلسطيني) الحديث في سياق العاديات السياسية الأهلية العربية! أي كفّت عن كونها مُدانة بالمطلق لأنّها عدوان تام آتٍ من منظومة أجنبية معادية ومن خلفيات لصوصية مقيتة! وكفّت عن كونها ترجمة لنوازع استبداد ديني عنصري يحاول المستحيل ولا ينجح! بل هي صارت «شيئاً» من ضمن «أشياء» أخرى! هي صهيونية العقيدة إسرائيلية الهوية. وهذه عربية العرق إسلامية العقيدة! ويمكن لواحدة من الاثنتين أن تطالب الثانية ببساطة التخاطب بين متساوين أو متشابهين، بـ»الكفّ عن المزايدة»! في قصّة القتل والإبادات والتنكيل بالمدنيين والإرهاب الرسمي والمؤدلج والمنظّم واستخدام الطائرات الحربية النفّاثة والمروحية، والأسلحة الثقيلة والصواريخ والدبابات ومدفعية الميدان.. واستهداف أحياء سكنية واضحة المعالم ودكّها فوق أهلها المدنيين بجملتهم في مخابئهم وعلى الطرق وأينما لجأوا. بل يمكن واحدة أن تخاطب الثانية بأنها تحمي «أمّتها» ولا تقتل إلاّ «الأغيار» فيما هي (أي هذه الثانية) لا تقتل إلاّ «شعبها» ولا تفتك فتك الضواري إلاّ بـ «أهلها» وأبناء «أمّتها»!
.. تذكرنا غزّة بأنّ هناك مقاومة، تليق بوصفها. قائمة حيث يجب، مُلك أهلها وهم أحرار فيها. ولم تضيّع البوصلة، لا في السياسة ولا في الجغرافيا ولا في الأنسنة!