صعبة المسلّمات في الزمن الزئبقي، لكنها ثابتة عند صفتها ولا تتغيّر.
يضخّ زمن الممانعة في سوريا ما في حوزته من يوميات القتل والتنكيل والتهجير والفظاعات على أنواعها على أيدي روّاده وصنّاعه وأيقوناته البطّاشة، وتسجّل الدنيا في صفحات سيرها وتأريخها ان ذلك كله يتم بدأب وإصرار من دون أي رادع أو مانع وعلناً وعلى الهواء والفضاء مباشرة!
ولا يكتمل المشهد من دون موسيقاه التصويرية: أهازيج فناء وإفناء وإبادة سارحة على مداها وإجرام يتسربل رداء المصطلحات الكبرى والجليلة.. لكن ذلك لا يغيّر حرفاً واحداً في «المحصول» الطبيعي والمنطقي: نكبة تامّة أمرّ وأصعب من سابقاتها!
التوصيف صعب وحمّال أوجه الجدل والاستطرادات والاتهامات الآتية من مخازن الممانعة المركونة في أسواقها الفكرية.. لكنه ليس خاطئاً: نكبة الفلسطينيين جرت بالتقسيط والتراكم واختلط فيها العنصر الداخلي بالديني وبالخفر الذي موّه الدور التآمري الخارجي! بل ان التدخل الدولي في بعض محطاته (الأمم المتحدة) بدا منصفاً في شكله ومضمونه وخصوصاً لجهة صدور قرارَي التقسيم (181) وحفظ حق النازحين بالعودة الى ديارهم (194).. ثم الأفظع، ان المقارنة الرقمية في عدد الضحايا و«طبيعة» التنكيل والاجرام والارتكابات والموبقات والفظاعات القروسطية البلا أخلاق أو ناموس.. تلك المقارنة تبدو في محصّلتها معيبة في حق التاريخ العربي والاسلامي كلّه وعلى الاطلاق!.
نكبة سوريا في المقابل تتم وفق آليات الزمن! بسرعة وكثافة. والعنصر الخارجي فيها بطّاش بقدر الداخلي أو قريباً من ذلك. وليس المقصود هنا، أدوات سلطة الأسد وإيران من «داعش» الى «حزب الله» والفصائل العراقية المشابهة، إنما الضدّ تماماً! أي العنصر الدولي الأميركي أساساً، ثم الأوروبي (الغربي) وبعده ذلك المتصل بالأمم المتحدة وسباتها المستدام!
ريادة النكبة السورية بهذا المعنى وكل المعاني التفصيلية ذات الصلة، لا تُجادَل. وهي واحدة من مسلّمتين. الثانية هي أن كل ما جرى ويجري (وسيجري!) لن يعيد أمور الأسد وحاشيته الى ما قبل 15 آذار عام 2011. ذلك زمن مضى واندثر وراح مرّة واحدة والى الأبد! ويعرف كل «المعنيين» تلك الحتمية وأكثر منها: حتى لو حصلت معجزة التسوية اليوم أو غداً أو بعد 10 سنوات فإن تركيبة الأسد لن تكون جزءاً منها بل غيابها سيكون أحد أبرز شروطها!.
صحيح ان المنطقة كلها راكبة على ريح صرصر لا مستقرّ لها. وصحيح أن تقلّباتها صادمة وأساساتها طينية رجراجة. وهي في مجملها تبدو كأنها مزرعة ضخمة تنمو فيها المفاجآت بغنج ودلال، لكن الصحيح أكثر هو أن بعض حقائقها ومسلّماتها ليست زئبقية وإنما فولاذية وفي مقدّمها ان نكبة سوريا لا تُقارَن، وان سلطة الاسد صارت صنو الرميم مهما بان العكس!